ارتدى الطفل "إيلون Elon" ذو التسع سنوات ملابسه هذا الصباح على عجل، فالوقت داهمه وأمه، وأصبحا متأخرين على موعد الذهاب إلى قاعة محكمة مدينة بريتوريا التي يقيمان فيها، والتي تقع شمال مدينة جوهانسبيرج، إنه يوم غير عادي في حياة الصبي الصغير؛ ففيه ستتم إجراءات الانفصال الرسمي بين والدته "ماي هالدمان" كندية الأصل، ووالده الجنوب أفريقي من أصل بريطاني "أيرول ماسك".. عند وصوله إلى مبنى القضاء هاله مظهره الشامخ المهيب، الأسقف المرتفعة، الأعمدة العالية، القاعات الفسيحة، ودرجات السلم الرخامية الباردة.. مع بداية الجلسة أجلسوه على مقعد قصي في زاوية بعيدة من القاعة، وبدأ الحديث، كلمات وكلمات ينطق بها المحامون، ويكررها أبوه وأمه، كان لا يعي ما ترنو إليه هذه الكلمات من معان، لكنه كان يعلم يقينًا أنهم يتحدثون عنه، وعنه هو بالذات..
في جنوب أفريقيا
وُلد "إيلون ريفي ماسك Elon Reeve Musk" في الثامن والعشرين من يونيو عام 1971، لأم كندية الأصل وأب جنوب أفريقي من أصول بريطانية يعمل مهندسًا ميكانيكيًا، وبعد انفصال والديه رسميًا انتقل للحياة مع أبيه، بينما سافرت أمه عائدة إلى كندا، وفي عمر الثانية عشرة بدأ إيلون تعلم برمجة الحاسوب وتفوق فيها، حتى إنه في ذلك العمر الصغير قام ببيع شفرات لعبة الفيديو الشهيرة "بلاستر Blastar" بمبلغ خمسمائة دولار أمريكي لإحدى مجلات التكنولوجيا، والتي تدعى "بي سي آند أوفيس تيكنولوجي PC and Office Technology"، غير أن هذا الطفل المتفوق لم يكن يَلقَى ترحيبًا كبيرًا من زملائه الدراسيين، حتى إنه في إحدى المرات قام زملاء له في الصف الدراسي بإلقائه من أعلى الدَرَج، وأوسعوه ضربًا حتى فقد الوعي، غير أن الحياة كانت يجب أن تستمر، فمع كل تلك المضايقات، وفي عام 1988 أنهى إيلون دراسته الإعدادية بنجاح وكان عمره وقتها سبعة عشر عامًا، وأصبح على شفا أن يصبح مطلوبًا للتجنيد، حيث إن سن التجنيد في جنوب أفريقيا هو الثامنة عشرة، الأمر الذي دفع والده لإرساله إلى كندا للحياة مع والدته.
من كندا إلى أمريكا
انتقل إيلون للحياة في مجتمع آخر غير الذي تربى وعاش فيه، ومع وصوله إلى كندا بدأت والدته الإجراءات الخاصة بمنحه الجنسية الكندية، والتي انتهت بحصوله عليها في عدة شهور، ليلتحق بعد ذلك في عام 1990 بجامعة "كوينز Queen's University"، في مدينة "كينجستون Kingston" بمقاطعة "أونتاريو Ontario"، ويقضي فيها عامين قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدًا إلى جامعة "بينسيلفانيا Pennsylvania"، ويتخرج فيها عام 1995 بعد حصوله على درجة البكالوريوس في العلوم والفيزياء من كلية بنسيلفانيا للفنون والعلوم، كما حصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من كلية "وارتون Wharton" التابعة لنفس الجامعة..
انتقل إيلون وهو في عمر الرابعة والعشرين إلى جامعة "ستانفورد Stanford University" بولاية كاليفورنيا؛ لدراسة الدكتوراة في الفيزياء التطبيقية، لكنه ترك البرنامج الدراسي بعد فترة طويلة جدًا –يومين بالتمام والكمال J- متخليًا عن طموح الدكتوراة من أجل طموحاته الأخرى في مجال مشاريع الإنترنت والطاقة المتجددة والفضاء الخارجي، ليصبح بعد إنجازه للكثير منها، وبالتحديد في عام 2002، مواطنًا أمريكيًا.
مجالات مهنية
منذ أن انتقل إيلون إلى الولايات المتحدة عام 1992 قام بإنشاء شركة تسمى "زيب تو zip2"، وهي شركة متخصصة في مجال برمجيات الإنترنت، وكان ذلك بالشراكة مع أخيه الأصغر "كيمبال Kimbal"، وقد قامت هذه الشركة بإصدار دليل للصحف المحلية، كما قامت بالتعاقد على خدمات تسويق لصحف شهيرة، مثل "النيويورك تايمز The New York Times" و"شيكاجو تريبيون Chicago Tribune"..
في عام 1999 قام إيلون بالمساهمة في تأسيس شركة "إكس دوت كوم x.com" والتي تتيح لمستخدمي شبكة الإنترنت الدفع عبر المواقع الإلكترونية، وفي عام 2000 تم الاندماج بين تلك الشركة الجديدة وشركة أخرى تدعى"كونفينيتي Confinity"، تعمل في مجال الدفع النقدي عبر الإنترنت، والتي كانت تشتهر بتقديم خدمة الــ"باي بال PayPal"، ومع هذا الاندماج اختفى اسم الشركتين، ليصبح اسمها الجديد "باي بال"، غير إنه في أكتوبر عام 2002 قامت شركة "إي باي eBay" بشراء أسهم الشركة والاسم التجاري لها والخدمات التي تقدمها بمبلغ مليار ونصف مليار دولار أمريكي، كان نصيب إيلون منها حوالي 165 مليون دولار أمريكي، حيث إنه كان أكبر المساهمين في الشركة ويملك ما يقدر بنحو 11.7 % من مجموع أسهمها..
كانت لإيلون –كما ذكر هو نفسه غير مرة- أحلام تتعلق بخلق حضارة أرضية متصلة بالفضاء الخارجي، لذلك وبعد بيع أسهمه في شركة باي بال عام 2002، توجه لضخ 100 مليون دولار من استثماراته لإنشاء شركته الخاصة للفضاء، والتي أطلق عليها "سبيس إكس SpaceX"، وهي الشركة الخاصة الأولى في العالم التي تقوم بتصنيع وإطلاق صواريخ قادرة على السفر عبر الفضاء، مثل الصاروخ "فالكون 1" و"فالكون 9"، كما قامت الشركة بتصنيع المركب الفضائي "دراجون"، وتعتبر هي الشركة الوحيدة التي لديها عقود لتسيير رحلات تجارية عبر الفضاء بالاتفاق مع وكالة ناسا.
تسلا موتورز
نظر إيلون المعلق بالفضاء لم يمنعه من رؤية الأرض، وإذا كانت وسيلة التنقل في الفضاء هي الصواريخ والمركبات الفضائية، فوسائل النقل على الأرض هي السيارات بالطبع، غير أن إيلون عندما فكر أن يقتحم هذا المجال، كان تفكيره مختلفًا كالعادة، فاتجه إلى شركة لإنتاج السيارات تحمل اسم "تسلا موتورز Tesla Motors"، كانت قد أُنشئت على أيدي اثنين من المهندسين هما "مارتن إيبرهارد Martin Eberhard"، و"مارك تاربيننج Marc Tarpenning"، وكانت متخصصة في إنتاج السيارات الكهربائية، وهو الأمر الذي جعل إيلون يتحمس في فبراير عام 2004 للانضمام إليها، عن طريق تمويل عمليات الإنتاج وشراء جزء كبير من أسهمها، ليصبح بعد ذلك رئيسًا لمجلس إدارتها..
استهدف إيلون منذ البداية تصنيع السيارات الرياضية، غير إنه مع الوقت وجد أن خوض غمار المنافسة في طرازات السيارات الصالون سيكون مفيدًا جدًا للشركة، خاصةً بعدما حققته أفكاره في استخدام ألياف الكربون لتصنيع أجسام السيارات من نجاح، حيث حقق معادلة صعبة بالجمع بين خفة الوزن وصلابة الأداء، وفي عام 2007 حصل إيلون على جائزة "إنديكس ديزاين أوورد Index Design award" عن تصميمه للسيارة " تسلا رودستر Roadster"، وفضلاً عن صناعة طرازات السيارات، بدأت الشركة في تصنيع وسائل توليد الطاقة الكهربية للسيارات، كما أصبحت موردًا رئيسيًا للمحركات الكهربائية للعديد من شركات السيارات العالمية مثل مرسيدس..
قرر إيلون ماسك منذ عام 2014 أن يكون راتبه السنوي نظير إدارته لشركة تسلا موتورز دولارًا واحدًا فقط، على الرغم من إنه كان يعتبر الرئيس التنفيذ الأعلى أجرًا في العالم عامي 2012 و2013، إلا أنه فضل أن يسلك نفس الطريق الذي سلكه من قبله المديرون العظماء من أمثال "ستيف جوبز Steve Jobs" الرئيس التنفيذي السابق لشركة أبل.
هايبرلوب
ما يشغل بال إيلون ماسك الآن هو المشروع الأكثر ثورية في تاريخ النقل، ألا وهو مشروع الانتقال السريع داخل كبسولات عبر أنابيب مفرغة من الهواء، أو ما يطلق عليه "هايبرلوب Hyperloop"، وهو المشروع الذي قام إيلون بالكشف عنه في الثاني عشر من أغسطس عام 2013، والذي يعتبر شكلًا جديدًا تمامًا من أشكال نقل الأشخاص والبضائع من مكان لآخر.
----------
على الرغم من أن البرنامج الخاص بدراسة درجة الدكتوراة كان قد فاته سابقًا، إلا أن إيلون ماسك الآن يحمل ثلاث درجات دكتوراة فخرية، الأولى في هندسة الفضاء من "جامعة سوري University of Surrey"، والثانية في التصميم من "كلية مركز فن التصميم Art Center College of Design"، أما الأخيرة ففي الهندسة والتكنولوجيا من "جامعة ييل Yale University"، وبخلاف كل هذه الدرجات، فلقد أصبح اسم إيلون ماسك تعبيرًا حقيقيًا عن التطور التكنولوجي فائق الخيال.