تزامن تنظيم معرض "أوتوماك فورميلا "هذا العام مع ذكرى مرور 90 عاماً على تنظيم أول معرض دولى للسيارات فى مصر عام 1927.
فمصر لم تكن بعيدة عن تنظيم معارض السيارات، وقد لا يعرف البعض أنه خلال النصف الأول من القرن الماضى شهد مصر تنظيم معرضين دوليين وكان الفارق الزمني بين كلاهما أكثر من عقدين من الزمان.
المعرض الأول والذي كان علامة فارقة فى تاريخ السيارات فى مصر هو المعرض الدولي الأول للأوتومبيلات، وكان حدثا هاماً خلال تلك الفترة التي لم تكن السيارات قد إنتشرت فيها على نطاق واسع بمختلف أرجاء مصر.
إفتتح المعرض فى السادس عشر من فبراير عام 1927 وإستمرت فعالياته لمدة 18 يوما، وقام بتنظيمه نادى السيارات الملكي. لم تقتصر أهمية المعرض على ظهور الكثير من السيارات الجديدة في مصر بل أيضا لكونه سببا في ظهور الموضوعات الدعائية عن السيارات والكثير من الإعلانات التي تروج للموديلات المعروضة خلال هذا الحدث الضخم. اللافت للأنتباه أن غالبية تلك الإعلانات والموضوعات كانت تركز على أن السيارات المعروضة صنعت خصيصا لتناسب الأجواء المصرية، وهو ما يحدث حتى يومنا هذا.
سبق المعرض إستعدادات ضخمة منها إعداد أرض الجمعية الزراعية الملكية بالجزيرة (مكانها الحالى دار الاوبرا) لإستضافة هذا الحدث ومنها تجديد المكان ودهانه بالزيت كي يليق بأهمية المعرض. وتكلفت التجديدات أكثر من ألفى جنيه وفقا لتقديرات تلك الفترة. سبق المعرض حملة دعائية ضخمة تحث المصريين على الزيارة لمشاهدة أحدث الأوتومبيلات والإستمتاع بالبرامج الترفيهية التي سيتم تنظيمها على هامش فعالياته. وجاء اليوم الموعود حيث أفتتح المعرض الأمير "عمر طوسون "و"النبيل عباس حليم "وعدد من كبار الشخصيات وأعضاء نادى السيارات الملكى. وتناقلت الصحف أخبار المعرض وقامت بتوفير تغطية جيدة وإن كانت تختلف بشكل كبير عن التغطيات الصحفية لمعارض السيارات فى يومنا هذا. وربما ظهر من خلال تلك التغطية إفتقار البلاد لصحافة متخصصة في مجال السيارات. ولكن المذهل في أمر المعرض نفسه هو المشاركة الواسعة لعشرات الشركات التي حرصت على التواجد فيه من خلال وكلائها في مصر. وربما كانت تفاصيل هذا المعرض خير وسيلة لمعرفة اللاعبين الرئيسيين في سوق السيارات خلال تلك الفترة ولأشهر موديلاتها.
يبين إحصاء المشاركين أن معظم وكلاء السيارات في مصر خلال تلك الفترة كانوا من الأجانب ربما بإستثناء مصرى واحد هو" شكري بك الزيني" وكان وكيلا لسيارات إيتالا الإيطالية، وحصل على الكأس الفضية للمعرض بعد أن حازت سياراته على إعجاب كل من قاموا بتجربتها.
شارك فى معرض عام 1927 أكثر من 40 شركة سيارات على رأسها رولز رويس التي لم يكن لها موزعا في مصر ولهذا شاركت "رولز رويس "بنفسها بعرض موديلين هما 40-50 حصان ليموزين وموديل 10 حصان شاسيه كابريوليه.
أما الوكلاء فكانوا كثيرين ومنهم وكلاء وموزعين لماركات لا تزال موجودة حتى اليوم منها "أوبل" وكان وكيلها الخواجة "ج. يويرل "وشارك بأربع سيارات. ولكونه وكيلا لشركة DKW الألمانية قام الخواجة بعرض موتوسيكل رياضي قوة 4 أحصنة من إنتاج تلك الشركة. كان "لأستون مارتن "البريطانية وكيلا في مصر وهو الخواجة" أ. كلابريسي" وعرض سيارة مقفولة 6 سلندر وأخرى مكشوفة مزودة بمحرك ذي 4 سلندرات. كانت كرايسلر من الشركات الأمريكية التي حرصت على التواجد خلال المعرض من خلال شركة مصايف لبنان وكيلها الوحيد خلال تلك الفترة والذي عرض باص ليموزين أمبريال (80) – 6 سلندر قوة 29 حصان 6-7 مقاعد ورودستر (70) 6 سلندر 2-4 مقاعد قوة 23 حصان. كما عرض الوكيل شاسيه 70-6 سلندرات وسيارة مكشوفة 50- 4 سلندرات ذات 5 مقاعد قوة 21 حصان.
كانت السيارات الفرنسية تتمتع بشعبية كبيرة خلال تلك الفترة يؤكد عليها إقبال أبناء الشرائح الأعلى من الطبقة المتوسطة على إقتنائها نظرا لسعرها المعقول مقارنة بالموديلات الأمريكية التي لم تكن مناسبة من حيث السعر سوى للأجانب والأثرياء من الباشوات.
وكان للفرنسيين تواجد كبير فى المعرض من خلال ماركات "بيجو وستروين ورينو". فبالنسبة" لبيجو"، كان وكيلها هو الخواجة " ج. فالساميدس" وشارك بست موديلات. أما "ستروين" فكانت الشركة المصرية المساهمة لسيارات أندريه ستروين هي وكيلها في مصر وكان التوكيل مملوكا للخواجة "تويلو فينسنت "وعرض مجموعة ضخمة من السيارات بلغت 11 موديلا. أما "رينو" فعرض وكيلها الخواجة "ج. أبنرخت" وشركاه 15 موديلا وبعض الشاسيهات.
شاركت الكثير من الماركات العالمية الأخرى التي لا تزال موجودة في مصر حتى اليوم، ومنها شركات "جنرال موتورز"، وكان وكيلها الشركة العامة لتوريد السيارات لأنه خلال تلك الفترة لم تكن جنرال موتورز قد إفتتحت فرعها في مصر، وعرض الوكيل سيارات أوكلاند وبويك وكاديلاك بونتياك وشيفروليه وأولدزموبيل وناش. أما "فيات" فشارك وكلائها الخواجات فيكتوريو جانوتي وشركاه بمجموعة متنوعة من موديلات الشركة من سيارات وكاميونات ومحاريث وسيارات إطفاء وسيارات رش ومكانس.
شاركت عشرات الشركات الأخرى التي لم يعد لها وجود اليوم ومنها على سبيل المثال "أوستن وكلينو وهيلمان الإنجليزية وبين وستودبيكر وهوب ومارمون" الأمريكية علاوة على ماركات أخرى منها لافلي ومنيرفا ودى ديون بوتون وأيه إم وستير موتورر ووركس وتاراراتس وS.O.M.U.A ، كما شاركت دودج الأمريكية ولكن بشكل محدود. وعلاوة على ذلك ظهرت الكثير من الأسماء الغريبة التي لا يكاد أحد يعرفها اليوم ومنها أميل كار ودولونيل بلفي ولاتيل وسيزار بيروك ورجبي، وعرضت تلك الشركات الحافلات جنبا إلى جنب مع السيارات.
لم تقتصر المعروضات على السيارات فقط حيث شارك وكلاء أخرون بمنتجات أخرى منها الزيوت والإطارات والإكسسوارات، ومنهم شركات فيدول وشتيرن للزيوت وبوش للبوجيهات وفايرستون وبيريللي للإطارات ودوكو للدهانات علاوة على شركات أخرى للأدوات الكهربية والبطاريات.
من الناحية التنظيمية جاء المعرض جيدا بإستثناء بعض السلبيات التي حدثت نتيجة حداثة عهد المصريين بالمعارض الدولية للسيارات. ولكنه كان بداية لإنطلاق السيارات الحديثة في مصر حيث ساهم بقدر كبير في تعريف المصريين بالأوتوموبيل وساهم في إنتشاره.
حرص المنظمون على تسلية الجمهور، ولهذا انشأوا ركنا خاصا للرقص وعروض لموسيقى الجيش بينما تولى "جروبي الحلواني" تقديم الشاي في حديقة المعرض، بل وأقامت اللجنة المنظمة سحبا يحصل الفائز فيه على سيارة مجانية لتشجيع الناس على زيارة المعرض.
كان معرض السيارات الأول حدثا لا ينسى ظل محفورا في وجدان عشاق السيارات في مصر لأن الأمر إستغرق فترة طويلة بلغت قرابة ربع قرن قبل تنظيم المعرض الدولي الثاني للسيارات الذي إفتتحه الملك فاروق عام 1950 وبمشاركة مجموعة كبيرة من الشركات العالمية من خلال وكلائها، وكانوا بالطبع قد تغيروا عما كان عليه الحال عند تنظيم المعرض الأول. فى المعرض الدولى الثانى للسيارات، كانت شركات فورد وجنرال موتورز من أبرز نجوم المعرض، فضلا عن صعود نجوم جديد في مصر منهم مرسيدس- بنز وجيب وفولكس فاجن وسكودا.
تجدر الإشارة إلى أنه بين المعرضين الدوليين الأول والثانى، تم تنظيم عدد من المعارض الصغيرة أعوام 1929 و1931 و1933 و1935، علاوة على تنظيم معرض للسيارات الإنجليزيه فى حديقة جروبى الموجودة حتى اليوم بشارع عدلى.
ومن الثلاثينيات وحتى السبعينيات كانت مصر تشهد تنظيم المعرض الزراعى الصناعى سنوياً، وهو المعرض الذى استغله بعض وكلاء شركات السيارات خلال تلك الفترة لعرض احدث ما لديهم. وخلال الخمسينيات أيضاً شهدت مر تنظيم معارض لصناعات بعض الدول مثل معرض الصناعات اليابانية والألمانية والتشيكية والهندية وغيرها، وأستغلت تلك المعارض لتقديم موديلات جديدة من صنع دول بعينها، وساهمت بعض تلك المعارض فى تعريف المصريين بالسيارات اليابانية عندما قامت ميتسوبيشى بتقديم موديل صغير بثلاث فى معرض الصناعات اليابانية عام 1958، وكانت تلك السيارة هى بداية عهد المصريين بالسيارات اليابانية قبل أن تنطلق بقوة فى السوق المحلى فى منتصف السبعينيات.
فى السبعينيات، بدأ عرض السيارات فى سوق القاهرة الدولية وبدات الشركات تعرض موديلاتها فى أجنحة بلدها الأم، فعرضت السيارات اليابانية فى الجناح اليابانى والأمريكية فى الجناح الأمريكى وهكذا، قبل أن تعود مصر لتنظيم معارض متخصصة للسيارات فى التسعينيات.