قاربت رحلتنا إلى الصين على نهايتها وبقي ضمن محطاتها الرئيسية جولة لا تقل إبهاراً عن جولتنا داخل المصنع، تلك المرة كانت الوجهة هي مركز الأختبارات والأبحاث الفنية التابع لشيري.
أقيم هذا المركز على مساحة هائلة تبلغ حوالي 300 ألف متر مربع وكانت تكلفة هذا المركز 800 مليون يوان عند افتتاحه عام 2010 وزادت تلك التكلفة بشكل هائل خلال السنوات التالية بسبب التكاليف المرتفعة للمعدات التقنية المتطورة التى تحرص شيري على تزويد المركز بها بشكل متواصل لتحسين مستويات الجودة فى سياراتها بأستمرار. وبسبب تلك المساحة الهائلة والتكاليف الضخمة التى تعادل تكاليف إنشاء مصنع للسيارات، صار هذا المركز اليوم هو الأكبر بين المراكز المشابهة فى أسيا.
ويشمل المركز أيضاً المعمل الوطني للهندسة صديقة البيئة، وهو مركز متطور جداً تستخدمه شيري فى أبحاثها المتعلقة بالموديلات والتقنيات الجديدة التي تظهر فى موديلاتها الجديدة والتى يراعي فيها مفهوم الحفاظ على البيئة.
بداية الزيارة كانت لمركز أختبارات التصادم وهو مكان ضخم يشغل مساحة هائلة تصل إلى 30 الف متر مربع وهو أكثر من مجرد مضمار لأختبار السيارات، حيث يشمل برامج متعددة لأختبارات السيارات يبلغ عددها 10 برامج. وذكر لنا مرافقنا أن السيارة تتم عليها اختبارات التصادم من 4 أتجاهات وتشمل تلك الأختبارات التصادمات الأمامية والخلفية والجانبية وأنقلاب السيارات.
سألت مرافقنا من شركة شيري عما إذا كانت الشركة تجري أختبارات تصادم أيضاً على سيارات الشركات المنافسة ولكنه أمتنع عن الإجابة عن هذا السؤال قائلاً أن هناك بعض الأسرار الخاصة بالشركة التى لا يمكنه الإفصاح عنها. ولكن أعلم جيداً أن الشركة تجري تلك الإختبارات على موديلات أوروبية وأسيوية منافسة لمعرفة ما وصلت إليه الشركة من تقدم بشأن تحسين مستويات السلامة.
تتم أختبارات التصادم داخل المركز من خلال دمى مماثلة لتلك الدمى التى تستخدمها مراكز أختبارات التصادم وتقييم السيارات فى أوروبا وأمريكا واليابان. وتصل تكلفة الدمية الواحدة إلى حوالي مليون يوان صيني، وتشمل كل منها حساسات فى مختلف مناطق الدمية لقياس التأثير الذى يمكن أن تحدثه الصدمة على مختلف مناطق جسم الإنسان.
علمنا كذلك أن لدى الشركة فى هذا المركز بعض الدمى التى تصل قيمة الواحدة منها إلى مليون دولار وهي اكثر تطوراً من الدمى العادية وتستخدمها الشركة فى الأختبارات الأكثر تقدماً، وسبب سعرها المرتفع هو تزويدها بمعدات تعتبر الأكثر تطوراً فى العالم. وبالطبع لا يتم استخدام تلك الدمى لمرة واحدة تلقي بعدها فى سلة المهملات، لسبب بسيط وهو وجود عيادة داخل المركز تتولى إصلاح الاضرار التى تتعرض لها بعد أختبارات التصادم. ولفت أنتباهي أستخدام لفظ "عيادة" بدلاُ من "ورشة" وهو أمر مقصود للتأكيد على أن تلك الإختبارات تهدف لسلامة السائق والركاب وأن شيري تأخذ تلك الأختبارات مأخذ الجد ولهذا تتعامل مع تلك الدمى كما لو كانت أشخاص حقيقيين.
وبعد زيارة مركز أختبارات التصادم قمنا بزيارة قسم أخر يتكون بشكل اساسي من غرفة ضخمة الحجم يتم فيها إجراء أختبارات تأثير العوامل الخارجية كالحرارة والرطوبة والضغط الجوي على السيارات. ويشغل هذا القسم مساحة ضخمة تبلغ 5500 متر ويتم فيه تعريض السيارة لكثير من العناصركالحرارة والضغط والبرودة والرطوبة والمياه لمعرفة مدى تأثير تلك العوامل على تجهيزات السيارة ومكوناتها الداخلية وحتى أجزائها الميكانيكية. وقال لنا مرافقنا الصيني ان تلك المعدات تبلغ قيمتها المليارات من اليوان الصيني حتى أن غرفة واحدة ضمن مركز الأختبارات بلغت تكلفة تجهيزاتها قرابة نصف مليار جنيه مصري، والسبب بسيط، وهو أن شيري تستخدم أجهزة محاكاة متطورة منها جهاز محاكاة للأصوات وكأن السيارة تنطلق على أراضي مختلفة وفى بيئات وبسرعات مختلفة لقياس مستويات العزل في المقصورة ونسب الضوضاء داخلها.
وما علمناه أن تلك الغرفة الضخمة هي واحدة من عدة معامل تشمل أختبارات أخرى غير ما ذكرناها ومنها الأتبعاثات والمحركات والمواد. ويلعب المركز دور أساسي فى عمل شيري خاصةُ وأننا علمنا أنه يمكنه تطوير 30 موديلاً مختلفاً سنوياً وأختبار ما يقرب من مليوني سيارة. وتتم أغلب تلك الأختبارات بشكل افتراضي ومن خلال أجهزة محاكاة دون أن تتحرك السيارة من مكانها. ولتلك الغرف معايير معينة منها غرفة الصوت التى لا تتم الإختبارات فيها إلا مع جعل درجة حرارة غرفة الأختبار 20 درجة مئوية لأن الحرارة تؤثر على الصوت، وهو أمر أستنتجنا منه مراعاة أكثر المعايير دقةً وتطوراً فى العالم أثناء كافة مراحل تلك الأختبارات.
بمنتهى الصدق، لم أكن أتخيل أبدأ أن أرى مركزاً بهذا التطور حيث يعد الأول فى أسيا وأحد أفضل مراكز الأختبارات فى العالم داخل شركة شيري. والأمر الذى أستنتجته من تلك الزيارة أن للشركة خطط طموحات كبيرة بأن تكون أحد كبار اللاعبين العالميين خلال سنوات قليلة قادمة.