لا تتوارى الأساطير ولا يمحوها الزمان، بل تظل عالقةً بالأذهان وتبقى صورتها متألقة لا تبهت ولا تنطفئ، وتمر الأعوام عليها فتبدو وكأنها تزيح ذرات الغبار عنها وتعيد إبراز أمجادها.. ولأن لعالم السيارات أساطيره أيضًا، فقد عادت بنتلي Blue Train الكوبيه التي يرجع تاريخ صنعها إلى عام 1930 للتألق بعد سنوات طويلة من الغياب عن الطرق، ليكتشف الكثيرون أنها لم تغب أبدًا عن طريق المجد وأضواء النجاح، لكن ذلك التألق لم يكن هو السبب الذي دفع بنتلي للكشف عن أربع نسخ –عصرية بالطبع- من أسطورتها تلك، صنعها قسم Mulliner المخصص لإنتاج إصدارات خاصة، بل إن التفاصيل تحمل كثيرًا من الإثارة والتحدي والنجاح.. كما سنرى..
التحدي الكبير
تعود بداية Blue Train إلى عام 1930 حين كانت تحمل اسم Speed Six، وكان رئيس مجلس إدارة بنتلي موتورز –آنذاك- كابتن وولف بارنيتو Captain Woolf Barnato يقيم في فندق كارلتون بمدينة كان الفرنسية، وعلى طريقة مستر فوج بطل رواية "حول العالم في ثمانين يومًا" الذي راهن أصدقاءه على استطاعته السفر حول العالم في 80 يومًا، قبل كابتن وولف التحدي وراهن على أنه سيسابق بسيارته قطار كاليه-البحر المتوسط، ولن يسبقه فقط في الوصول إلى ميناء كاليه الفرنسي، بل وسيعود إلى لندن قبل أن يصل القطار إلى وجهته!
بالطبع –كما لا بد أنك خمنت عزيزي القارئ- فاز وولف وسبق القطار في الوصول بأربع دقائق، كانت كافية تمامًا لتدخل السيارة صاحبة السبق تاريخ سيارات السباق من باب الأساطير، وعُرفت من وقتها باسم Blue Train، وقررت بنتلي بعد 85 عامًا من ذلك المجد أن تعيده إلى الأضواء وتخلد تلك الدقائق الأربع التي كانت أحد أسباب النصر، وكان ذلك سر النسخ الأربع الحديثة.
في ثوب عصري
يمتلك السيد بروس مكاو نسخة أصلية تعود إلى ثلاثينيات القرن العشرين من Blue Train، وهي التي شارك بها في مهرجان السيارات الكلاسيكية وحصلت فيه على أربع جوائز، وقد بدت متألقة بجسمها الأخضر الداكن وشبكتها الأمامية التي تحمل ثلاثة مصابيح دائرية تحيطها إطارات فضية لامعة، وسقفها ذي اللون الأسود المنحني نحو المؤخرة بنعومة، بينما تتميز من الداخل بلوحة قيادة من الخشب الفاتح، وعجلة قيادة تقليدية ذات ثلاثة أذرع..
ولا يشبه الإصدار الحديث تلك الصورة الكلاسيكية، حيث يتميز بجسم طويل أنيق بشبكة أمامية مستطيلة ذات حواف ناعمة، وشبكة أخرى أفقية بعرض المقدمة تستقر تحت المصد الأمامي، وعجلات تجذب الانتباه بجنوط سوداء أنيقة ذات 14 ذراعًا، لكنك –في الوقت نفسه- ستجد لمحات متناثرة هنا وهناك تثير الحنين إلى الماضي ولا تغير من التصميم الأنيق المعاصر، كالمصابيح الدائرية التي تستقر على جانبي الشبكة الأمامية، والمصد الأمامي الذي يحمل صورة على لوحة خشبية تمثل خطوط الطراز الأصلي كُتب عليها Blue Train..
أما في الداخل فالفرق شاسع.. ستطالعك لوحة قيادة مطعمة بخشب مموه بدرجتين إحداهما داكنة والأخرى فاتحة، ويمتد الخشب إلى الجزء العلوي من كل باب، وعلى اليمين منها جهة الراكب الأمامي ستجد صورة للطراز الكلاسيكي القديم، بينما اكتسى الجزء السفلي بالجلد ذي اللون الجملي، وهو نفسه الذي يلف عجلة القيادة وبطانة الأبواب والمقاعد مناصفةً مع جلد بني.. تلك الأجزاء الفضية اللامعة ليست من الكروم، بل من الفضة التي تحمل توقيع Robbe&Berking، وهذا البساط الذي يكسو الأرضية نُسج خصيصًا في أسكتلندا ويحمل توقيع Angora؛ لتكون الفخامة هي عنوان المقصورة.
--------
في لفتة ذكية تمزج بنتلي خيوط ماضيها العريق وعناصر حاضرها الحديث، لتؤكد بإصدارها المحدود من السيارة صاحبة التحدي الشهير أن الأساطير لا تصمد في وجه الزمن فقط، بل تفرض نفسها وتعيد أمجادها.. في ثوب عصري.