عن المستقبل القريب في عالم السيارات يمكننا أن نتنبأ ببعض الأمور.. طبعًا ليس عن طريق الخرافات والشعوذة، ولكن عن طريق رصد التطور الذي يحدث في هذا المجال الرحب كل يوم، بل يمكن أن نقول "كل لحظة"، ومن ضمن هذه النبوءات تلك التي تتعلق بالسيارات ذاتية القيادة، فهذا النوع –الذي بات حقيقة واقعة بالفعل- من المتوقع أن ينتشر بسرعة كبيرة، ليشكل اختيارًا متاحًا في أغلب السيارات الفاخرة خلال السنوات القليلة القادمة، غير أن تقنية القيادة الذاتية تعتمد بشكل أساسي على نظم رسم الخرائط وتحديد المواقع، وهو ما جعل الصراع يحتدم بين عمالقة آخرين، ودفع به إلى أرض أخرى..
فكرة واحتياج
السيارة لا ترى، وجهاز الكمبيوتر داخلها لا يستطيع الابتكار منفردًا، لذلك تعتمد في نظام القيادة الذاتية على قراءة واتباع إحداثيات خرائط رقمية للشوارع والمنشآت، بحيث تستطيع ترجمة ما تلتقطه كاميراتها بالإضافة إلى تلك الخرائط والإحداثيات، لتحدد مكانها والطريق إلى وجهتها بدقة، وحتى أفضل المسارات التي يمكنها أن تسلكها بعيدًا عن الازدحامات المرورية، حيث تقدم الخرائط معلومات تفاعلية ولحظية مع حالة الطرق.. هل يمكنك عزيزي القارئ أن تتخيل كيف ستكون المتاعب لو أن تلك الخرائط غير دقيقة، أو إذا كانت المعلومات والبيانات المدخلة إلى كمبيوتر السيارة غير صحيحة؟ لذلك تعتمد شركات صناعة السيارات ذاتية القيادة على شركات أخرى متخصصة في مجال تكنولوجيا رسم الخرائط والاتصالات، مثل جوجل، أبل، نوكيا، وحتى نظام أوبر الشهير المستخدم في تطبيقات سيارات التاكسي، تلك الشركات التي تقدم تقنيات دقيقة للخرائط بشكل لا يقبل الشك.
الصراع
المنافسة جاءت بين تلك الشركات حول من يقدم أفضل وسائل رسم، وإظهار الخرائط ومعلومات الطريق بمنتهى الدقة.. جوجل كانت له الأفضلية في البداية، بكل ما يمتلكه من إمكانيات متاحة له كأكبر محرك بحث في العالم، وما يمتلكه من تقنيات "جوجل ماب Google Map"، و"جوجل إيرث Google Earth"، وبالفعل بدأ بعض الشركات الاعتماد عليه، إلا أن الشركات الألمانية اتجهت لاستخدام تقنيات مختلفة للخرائط، بعد أن وافق اتحاد مصنعي السيارات على شراء التطبيقات التي تنتجها شركة نوكيا بصفقة قيمتها 2.8 مليار دولار، كما أن بعض الشركات بدأ يفضل نظام أوبر؛ حيث إنه نظام متكامل للخرائط وخاضع للاختبار والتجربة بالفعل، فهو مستخدم منذ سنوات في تطبيقات أوبر تاكسي بنجاح، لكن الصراع احتدم أكثر وأكثر عندما بدأت شركات أخرى في الولايات المتحدة واليابان -وحتى الصين- تعلن عن عزمها إنتاج سيارات ذاتية القيادة، فظهرت تطبيقات شركات أخرى لتزاحم، مثل أمازون، ياهو، وبايدو.
---------
في الحقيقة يجب أن يجعلنا هذا الصراع سعداء؛ فالتنافس التكنولوجي في اتجاه التطوير والتحسين يصب بقدر كبير في مصلحة المستخدمين في النهاية، وهو ما سيزيدنا إحساسًا بالأمان عندما تقود سياراتنا نفسها دون عناء.. ودون أن تضل الطريق.