كنت –وما زلت- أعيب على أسلوب قيادة النساء، وتستوي في ذلك نساء العالمين، وأرى أنه يفوتهن الكثير من الأمور.. واعتقدت أن ذلك قد يكون بسبب بيتوتية نسائنا غير العاملات، ثم تراجعت لانضمام نساء أوروبا لهن رغم عمل غالبيتهن واحتكاكهن بظروف ومتطلبات أعمال تقتضي سرعة بديهة وشدة تركيز.
لكن المرأة هي المرأة، مهما فعلت.. ولا أقصد هنا الإقلال من أم المجتمع، بالعكس، فهي الزهرة الجميلة، وموطنها البستان لا الطرق المقفرة.
غير أنه على العكس من ذلك تمامًا استطاعت السيدة "برتا بنز" -زوجة الدكتور "كارل بنز" مخترع السيارات- أن تغير من نظرة الكثيرين للنساء عمومًا، فكانت أول سائقة للسيارات في التاريخ، قبل نحو 130 عامًا.. وفوق كل ذلك لم تكن رحلتها الشهيرة بثالث سيارة في التاريخ سهلةً ميسرةً، وقد خاب ظن من تصور ذلك تمامًا.. إذ أن المرأة قد خرجت مع مطلع شروق الشمس، في رحلة طويلة ومرهقة للغاية، وبسرعة أقصاها كان لا يتجاوز 20 كم/س، وطبيعي أنها لم تستمر بهذه السرعة الجنونية طوال رحلتها تلك.. فقد واجتهتها مشاكل لا نواجهها نحن الرجال في عصرنا، بل إننا نقف أمامها حائرين نتوسل تدخل الغير لحلها، مثل ضرورة تغيير الفرامل أو حتى السير المطاطي الذي كان يغطي العجلات الخشبية، حيث كان قد اهترأ من كثرة استهلاك الفرامل في هذه الرحلة العصيبة.. وهذا هو مجرد مثال واحد، فما بالك بغيره..!
أما لماذا خرجت دون إذن زوجها، وما سبب مخاطرتها الكبيرة هذه مع طفليها؟
فهذا ما يفسره تأكيدها بأنه ما كان سيسمح بهذه الرحلة مطلقًا، خوفًا عليها وعلى ولديها.. وقد فعلت ذلك رغبةً منها في التدليل لزوجها بالأمر الواقع أن المجتمع يحتاج سياراته، وأنها ليست معيبةً لدرجة أن يخفيها عن أعين الناس كما كان يفعل.. ثم تطور إيمانها بذلك إلى الترويج عمليًا لسيارة زوجها، فمجرد سيرها لنحو مائة كيلو متر بهذه السيارة، جعل القاصي والداني يتحدث عن تلك العربة التي تسير بدون خيول، كما لو كانت تندفع بيد خفية سحرية..
لقد كانت خطوةً مليئةً بالعبر والدروس حقًا، استحقت بها أن تتبوأ "برتا" مكانتها التاريخية الكبيرة، مؤكدةً بأسلوب عملي لا يدع مجالًا للشك بأن: وراء كل رجل عظيم، امرأة.. ربما تكون أعظم منه J ..