مقبرة الطائرات
إذا كانت كلمة "مقبرة" تبدو قاتمة فلا شك أن قتامتها ستقل كثيرًا، وذلك حين تعلم أن الحديث عن مقبرة الطائرات لا يعني أكثر من مكان متسع يتم فيه ركن الطائرات التي أحيلت إلى التقاعد، وانتهى عمرها الافتراضي ولم تعد صالحة للتحليق.. هكذا ببساطة تُترك تحت الشمس والهواء كما اعتادت أن تقضي عمرها، لكنها هنا لا تتحرك من مكانها بل تقضي ما تبقى لها ساكنة، وتقع تلك المقبرة في حقل على جانب طريق رامخامهانج في بانكوك، وترقد فيه طائرتان طراز بوينج 747 وطائرتان طراز MD-82..
لم يترك البشر الطائرات وحيدة في مثواها الأخير، بل اتخذت ثلاث عائلات منها منزلاً دائمًا يقيم فيه أفراد متعددون، ويمارسون كافة تفاصيل حياتهم وكأنهم في منزل عادي، والغريب أن المشهد صار مألوفًا حتى لم يعد يثير استغراب المارين، بل تستمر الحركة على الطريق دون توقف، وفي الصورة نرى جسد الطائرة وقد ذابت أجزاء منه بفعل الأمطار وحرارة بانكوك، التي تصل في فصل الصيف إلى 33 درجة مئوية، لكنه مزين برسومات ملونة خطتها أنامل سكانها، كما نرى أجزاءً من طائرات وقد تحطمت إلى قطع صغيرة نسبيًا.
مصائب قومٍ
إذا كانت الحياة في حطام طائرة ليست حياةً مثالية، والتشرد دون امتلاك منزل طبيعي يبدو أمرًا قاسيًا، فالبعض قادر على تحويل تلك القسوة إلى فائدة على طريقة "مصائب قوم عند قوم فوائد"؛ فالأسر الثلاث التي تسكن حطام الطائرات لم تستسلم لذلك الوضع وقررت استغلاله، ففرضت رسومًأ قدرها حوالي أربعة دولارات على دخول الحطام، وأصبح الزائرون يتدفقون لزيارة المكان والمرور منه إلى حي رامخامهانج الواقع شرق بانكوك..
ويمكنك أن ترى في أرجاء الحطام دلائل على وجود حياة أخرى هنا، فمن حبال تُنشر عليها الملابس معلقة على أعمدة الطائرات، إلى مراتب أسرة مستقرة على الأرضية ينام عليها أعضاء الأسر الثلاث، وحتى ألعاب الأطفال وجدت لها مكانًا بين دلائل البؤس والفقر، فتراصت على رف ليلعب بها الأطفال في أوقات مرحهم، لكن ما يجعلك تشعر بالأسى أنها ليست ألعابهم في الأساس، بل أغراض تخلص منها أصحابها فالتقطها البؤساء الصغار، أما مقاعد الطائرات فقد تم التخلص منها خارجًا لكيلا تسبب الازدحام، وليتمكن الأفراد من تقسيم المساحة الداخلية إلى غرف متعددة.. تسأل عن دورة المياه؟ إنهم يستخدمون دورات المياه الخاصة بالطائرات بالطبع.
--------
تبدو حكاية الأسر التي تعيش في مقبرة الطائرات غريبة إلى حد ما، لكنها قاسية وموجعة ومثيرة للتأمل، فما دفع أولئك الأفراد إلى فعل ذلك كونهم لا يملكون إيجارات يدفعونها في منازل طبيعية، فارتضوا الحياة بهذا الشكل غير المريح قطعًا، وإذا كنا لا نملك مساعدتهم فنحن نملك أن نشكر الله على نعمه التي أغدقها علينا، فمنحنا سقفًا يقينا الحر والبرد، فكأنما حيزت لنا الدنيا.. فالحمد لله.