خلال العام الجاري كثر الحديث عن السيارات الكهربية فى مصر والرغبة فى أنتشارها لأسباب متعددة كالحفاظ على البيئة وتقليل الأعتماد على الوقود التقليدي كالبنزين والسولار.
ظهرت تلك المساعي فى أوضح صورها خلال أستقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخراً لوفد شركة مرسيدس – بنز حيث أكد الرئيس أهتمام مصر ببحث فرص التعاون مع الشركة الألمانية في مجال تصنيع السيارات الكهربائية بفئاتها المختلفة، اتساقاً مع توجه الدولة نحو نشر استخدام تلك المركبات الصديقة للبيئة التي لا تستهلك مصادر الوقود التقليدية.
كما طرح الرئيس إمكانية التعاون المشترك مع الشركة الألمانية في مجال تصنيع المركبات الذكية ذاتية القيادة، وذلك لاستخدامها في المدن الجديدة الجاري إنشاءها، خاصةً العاصمة الإدارية الجديدة.
يشير ذلك بشكل لا يدع مجالاً للشك إلى أن هناك توجهاً من الدولة للتوسع فى أستخدام السيارات الكهربية فى مصر، والواقع أن ذلك يعيدنا إلى العنوان والذى ذكرت فيه كلمة "عودة" وليس "انتشار" والسبب فى ذلك أن السيارات الكهربية ليست جديدة على مصر حيث أنتشرت فى شوارعنا قبل ما يزيد عن مائة عام.
التفسير الحقيقي لإصراري على كلمة "العودة" هو أن السيارات التى شهدتها مصر منذ السنوات الأخيرة للقرن التاسع عشر وحتى نهاية العقد الأول من القرن الماضي لم تكن سوى سيارات كهربية تعتمد على البطاريات لا البنزين الذى لم تعرفه تلك السيارات الأولى.
المفارقة أنه فى تلك الفترة لم تكن مصر مؤهلة لأنتشار هذا النوع من السيارات الذى كان هو الغالب فى أوروبا وأمريكا، بل من سخرية القدر أن مصر لم تكن مؤهلة لأنتشار السيارات التى تعتمد على البنزين كوقود لسبب بسيط وهو أنه لم تكن توجد محطات للبنزين فى مصر.
وحتى عندما ظهرت السيارات ذات محركات البنزين كان أصحابها يشترون هذا البنزين فى صفائح صغيرة تسع الواحدة منها لتراً وكانت تلك الصفائح تباع فى الصيدليات!!!!
أستمر الوضع كذلك لسنوات قبل أن تبدأ شركة شل عصر محطات الوقود من خلال مضخة بنزين فى الإسكندرية، وبعدها أنتشرت تلك المحطات مع زيادة عدد السيارات فى مصر بشكل عام، والقاهرة والإسكندرية على نحو خاص.
أما اليوم فلن يكون تحقيق هدف الحكومة بأنتشار السيارات الكهربية سهلاً لأن ذلك يتطلب الكثير من الجهود لجعل أنتشارها فى مصر سهلاً.
خذ عندك مثلاً عدم توافر بنية تحتية لشحن السيارات الكهربية التى سنحتاج إلى إنشاء آلاف المحطات فى مختلف مدن مصر لو كنا جادين فى العمل على أنتشار هذا النوع من السيارات التى حققت الصين في مجال التقنيات الخاصة بها قفزات ضخمة خلال السنوات الماضية، ولم تعد أسعارها أكثر بكثير من أسعار السيارات التقليدية.
المؤكد هو أن توفير تلك البنية التحتية سيكون له فوائد عديدة لمصر منها أن توسيع إستخدام هذا النوع من الطاقة يمكن ألا يكون مقتصراً على سيارات الركوب فقط، بل يمكن أن يتوسع ذلك ليشمل الأتوبيسات وعربات النقل.
وتوفير تلك البنية التحتية سيقلل تدريجياً من أنتشار السيارات التقليدية. ولكن حتى توفير تلك البنية التحتية لن يكفي لأنتشار السيارات الكهربية بل يحتاج لخطوات أخرى جريئة.
فعلى سبيل المثال، ينبغي على أجهزة الدولة أن تبدأ فى التفكير فى خفض الجمارك الرسوم على السيارات الكهربية كي يزيد الإقبال عليها. وسيكون ذلك إجراء مماثل لما تقوم به الكثير من الدول الأوروبية التى تمنح مشتري السيارات الكهربية حوافز مالية كبيرة نسبياً لتشجيع هذا النوع من السيارات النظيف بيئياً.
ويتعين أيضاً تغيير بعض مواد قانون المرور الذى يفرض على السيارات الكهربية ضريبة لتجديد الرخصة تصل إلى ضعف مقدار ما يحدده القانون للسيارات العادية. والمنطقي فى الأمر أن تكون قيمة رسوم ترخيص السيارات الكهربية رمزية لا تكاد تذكر إن كنا جادين فى تحقيق هدفنا بأنتشار هذا النوع من السيارات فى كافة أنحاء مصر.
ونأمل ألا يتوقف هذا التوجه المستقبلي للدولة على السيارات والأتوبيسات وعربات النقل، بل يمكن أيضاً أن يمتد للدراجات النارية والأهم من ذلك أن تبدأ وزارة النقل فى التفكير فى كهربة بعض خطوط السكك الحديدية الحالية، إن أردنا بالفعل أن نلحق بالعالم فى هذا المجال.
قد يظن البعض أن هذا الطرح هو رؤية خيالية حالمة قد لا تتحقق، ولكن ماضينا يشير إلى أننا تمكننا من تحقيق ذلك بالفعل. فمما لا يعرفه كثيرون من أبناء جيلنا هو أن الخط الأول لمترو الأنفاق بين حلوان والمرج لم يكن سوى خطين للسكك الحديدية التى أعتمدت فى البداية على الفحم وبعدها على الديزل إلى أن تم كهربة الخطين وتوصيلهما ببعضهما البعض. وقد تمكنت مصر من تحقيق ذلك وتحويله إلى واقع، ولهذا فإن التوسع فى أستخدام الطاقة الكهربية فى السيارات ووسائل النقل لا تبدو مستحيلة، فقط إن أتخذنا من الخطوات ما يساعد على تحقيق ذلك.