نلحظ اليوم هذا الزحام الرهيب بسبب العدد الهائل من السيارات في شوارع مدن مصر. فالزحام اليوم لم يعد مقتصرا على القاهرة وحدها بل صارت مدن الأقاليم هي الأخرى تعاني من الزحام الخانق. ولعل هذا يجعلنا نشعر بالسخرية عندما يشكو المصريون في النصف الأول من القرن الماضي عن الزحام. ولو عاش أحدا منهم حتى يومنا هذا لمات منتحرا.
في عام 1890 لم يكن في مصر سوى سيارة واحدة وتدريجيا بدأت أعداد السيارات والأتوبيسات وعربات النقل والدراجات النارية تزيد تدريجيا حتى وصلت أعدادها في عام 1957 إلى 94 ألف سيارة. فكيف كان هذا التطور؟ .. لعل لغة الأرقام هي أفضل ما يعبر عن هذا التطور.
كما ذكرنا بدأت رحلة السيارات فى مصر بسيارة واحدة فى عام 1890. كانت السيارة مملوكة للأمير عزيز حسن حفيد الخديو إسماعيل وكان المصريون يسمونها بالعفريت لأنهم لم يروا قبلها مركبة تسير من تلقاء نفسها دون أن تجرها الخيول.
كانت سيارة الأمير عزيز حسن هي الوحيدة فى مصر لمدة ست سنوات إلى أن قام أحد الأعيان الأجانب بشراء سيارة أخرى من الخارج ومعها وصل العدد إلى سيارتين.
أحب المصريون من علية القوم هذا الأختراع الجديد فزاد عدد السيارات عام 1900 إلى 32 سيارة ثم قفز العدد خلال خمس سنوات ليصل إلى 166 مركبة عام 1905 منها 110بالقاهرة و56 بالإسكندرية و50 دراجة نارية وأوتوبيسين.
وبحلول عام 1914 وصل عدد المركبات إلى 656 سيارة كانت معظمها مملوكة للأجانب وعدد قليل جداً من المصريين. ووصل العدد فى عام 1920 إلى 1096 سيارة زادت فى 1924 إلى 1300 سيارة منها 900 بالقاهرة و400 بالإسكندرية.
الطفرة الحقيقية فى أعداد السيارات حدثت خلال العام التالي حيث قفزت الأعداد إلى 13091 سيارة وتضاعفت خلال عامين لتصل عام 1927 إلى 23 ألف سيارة تقريباً ثم وصلت عام 1930 إلى 30079 سيارة تقريباً.
وفى عام 1931 وصل عدد المركبات إلى 30384 منها 1016 مركبة حكومية
و18058 سيارة خاصة منها 116 حكومية. وبلغ عدد سيارات التاكسي 6371 وعربات النقل 4610 منها 762 حكومية. أما الأوتوبيسات فوصل عددها إلى 1345 منها 93 أتوبيس حكومي.
الملاحظ أن الدنيا كانت فى تلك الفترة مختلفة قبل ظهور السيارات الكورية واليابانية والصينة بعشرات السنين حيث كانت 60% من السيارات في مصر أمريكية الصنع.
كان أقتصاد مصر أيضاً مزدهراً فى أوائل الثلاثينيات، فرغم الأزمة الأقتصادية فى الولايات المتحدة وأنهيار الأقتصاد هناك، لم تتأثر مبيعات السيارات الجديدة بسبب تلك الأزمة الإقتصادية فى مصر: فالإنخفاض في المبيعات لم يتجاوز 3% وبلغ الإنخفاض في مبيعات التاكسي حوالي 644 سيارة بنسبة 9 % عن العام السابق بينما نقصت مبيعات السيارات الخاصة بحوالي 148 أي أقل من 1% في الوقت الذي إنخفضت فيه مبيعات عربات النقل بنحو 39 أي بنسبة 1%.
أستمرت أعداد المركبات فى أرتفاع إلى أن وصلت فى عام 1957 إلى 94 ألف مركبة وكان ذلك الرقم كبيرا بالنسبة لتلك الفترة ولكن الزيادة خلال السنوات التالية لفي واقع الأمر أخذت خطوات أسرع لعوامل كثيرة منها تحسن القوى الشرائية لشرائح متعددة من المصريين علاوة على بدء الإنتاج المحلي للسيارات وفتح السوق المصري أمام السيارات لدول جديدة منها ألمانيا الشرقية وروسيا وتشيكوسلوفاكيا وأسبانيا في الوقت الذي زادت فيه واردات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأيطاليا وألمانيا من السيارات إلى السوق المصري وأنتشرت عشرات التوكيلات لماركات جديدة إعتمدت على السعر المنخفض وباعت تلك الوكالات عشرات الآلاف نت السيارات خلال عقدي الخمسينيات والستينيات.
في نفس الوقت ساهمت التعديلات الجمركية المتواصلة خلال هذين العقدين على تسهي دخول السيارات الجديدة والمستعملة على حد سواء ,ادى ذلك إلى إغراق مصر بمئات الآلاف من السيارات المستعملة التي تراوحت نسب الخصم عليها ما بين 20-70% من قيمة السيارة المستعملة ما بين عام وخمسة أعوام.
أسهم في ذلك أيضا قرار الحكومة بإطلاق حرية بيع السيارات المستوردة دون التقيد بمرور عامين على شرائها كما كان متبعا حتى عام 1969. وبعدها في عام 1970، بدأ تطبيق الإجراءات الجمركية الجديدة و التي إنخفضت فيها الجمارك من 250% على السيارات الواردة من الخارج إلى 100 % فقط. وأسهم ذلك في زيادة هائلة ملحوظة في عدد السيارات. ففي عام 1970 بلغ عدد السيارات في القاهرة حوالي 150 ألف سيارة ومركبة فقط وحينها توقع خبراء المرور أن يبلغ عدد السيارات داخل العاصمة في عام 1980 حولي ربع مليون سيارة.
و قال المسئولون حينها أن الزيادة المتوقعة في أعداد السيارات الواردة من الخارج نتيجة خفض الرسوم الجمركية من 250 % إلى 100 % بالإضافة لزيادة السكان أضف إلى ذلك الأعداد الكبيرة من السيارات التي ترد من الأقاليم ستزيد من تفاقم مشكلة المرور في العاصمة.
والغريب أنه رغم تسارع أيقاع الزيادة في أعداد السيارات خلال السنوات التالية حتى بلغ عدد السيارات في القاهرة وحدها عام 1975 حوالي 160 ألف سيارة خاصة وبلغت نسبة السيارات لعدد السكان 24 سيارة لكل ألف شخص وكانت نسبة هزيلة لا تقارن بعدد السيارات في مدينة مثل بروكسل بلغ عدد سكانها مليوني شخص وبها مليون سيارة. ورغم أن النسبة كما وصفها خبراء المرور "بالهزيلة" فإنها كانت كافية كي تتفاقم مشاكل المرور بشكل مخيف.
وفي عام 1976 بلغ عدد السيارات في القاهرة نصف مليون سيارة منها 170 ألف سيارة مرخصة بالقاهرة ونحو 150 ألفا مرخصة في المحافظات الأخرى وتستخدم طرق العاصمة علاوة على سيارات الحكومة.
وكانت أهم أسباب تلك الزيادة الكبيرة إتباع سياسة الإنفتاح الإقتصادي في مرحلة ما بعد حرب أكتوبر حيث ظهرت عشرات الشر كات التي طرحت أكثر من مائة موديل جديد وكانت الشركات اليابانية من ابرز اللاعبين في تلك الفترة.
أما العام الماضي فقط، فقد وصل عدد المركبات المرخصة داخل نطاق المحافظات لحوالي 12 مليون مركبه مرخصة بشتى أنواعها المركبات
منها 7 مليون سيارة مرخصة ملاكي بينما وصل عدد التاكسى والميكروباص إلى 700 آلاف مركبة مرخصة، بينما وصل عدد الأتوبيسات إلى 180 ألف أتوبيس مرخص سواء مدارس وحكومة أو خاص أو شركات أو بنوك، كما تم ترخيص عدد كبير من المقطورات داخل وحدات التراخيص والتى وصلت لـ110 آلاف مركبة مرخصة، بالإضافة إلى ترخيص 125 ألف "توك توك" من بين 2 مليون و500 ألف متواجدة بجميع الأقاليم والمدن