لكل منا هواية خاصة يهرب بها بعيدًا عن ضغوط الحياة، فهناك من يهوى السفر والتنقل، وهناك من يهوى العزف أو الرسم، أما في عالمنا فهناك من كانت القيادة والسرعة عشقًا خاصًا به، ولا شيء يضاهي بالنسبة له الجلوس خلف عجلة القيادة والانطلاق، ومن أجل هؤلاء الأشخاص تحديدًا كان لا بد من ظهور فئة سيارات ليس الغرض منها التنقل فقط، ولكن الاستمتاع بالقيادة في حد ذاتها، ولهذا ظهرت "السيارات الرياضية"..
أول سيارة رياضية
قد يخطئ البعض بالظن أن هذه الفئة هي وليدة العقود الأخيرة، ولكن في حقيقة الأمر أن تاريخ ظهورها يمتد لأبعد من ذلك، وتحديدًا إلى بداية القرن العشرين، ففي الوقت الذي كان انتشار السيارات يتسع تدريجيًا كوسيلة للتنقل، ظهر اتجاه جديد يبحث عن طرازات أسرع وأكثر قدرة على التحكم في المنعطفات وأيضًا ذات تصميم أجمل، لتأتي أول سيارة رياضية في التاريخ وهي "فوكسهول برنس هنري Vauxhall Prince Henry" عام 1911، وهي في الأصل الطراز "20 hp" الذي أنتجته الصانعة الإنجليزية فوكسهول، ولكن تم تعديله وإطلاق اسم الأمير هنري عليه؛ تيمنًا بحفيد الملكة فيكتوريا وأمير مملكة بروسيا الألمانية القديمة، وقفزت القدرة الحصانية للمحرك من 20 إلى 40 حصانًا، ولاحقًا بلغت 60 حصانًا، ودخلت السيارة سباقات اجتازتها بنجاح ليبدأ عصر جديد توالى فيه ظهور السيارات الرياضية بلا توقف.
مواصفات
تتمتع الطرازات الرياضية بعدد من الصفات، منها أن تكون ذات وزن خفيف، قدرة عالية على المناورة، خطوط انسيابية وديناميكا عالية في تصميمها، وقد تكون ذات سقف ثابت أو متحرك أو مكشوف، كما تأتي ببابين ومقعدين في الداخل، ولكن في بعض الطرازات قد يأتي مقعدان آخران في الخلف ليتم طيهما وفردهما حسب الحاجة، ويتم تصنيع نظامي التوجيه والتعليق ليمنحا قائدها قدرة تحكم أعلى في السرعات العالية..
أما فيما يتعلق بالمحرك فالشائع أن يكون موضع المحرك في الأمام وتعمل السيارة بنظام الدفع الخلفي، مثل شيفروليه كورفيت ومازدا MX-5، ومع ذلك تفضل بعض الشركات أن يكون المحرك في المنتصف خلف السائق؛ وذلك من أجل توزيع الوزن بشكل أفضل كما في سيارات فيراري ولامبورجيني، وفي المقابل تأتي قلة تعتمد على محرك في الخلف مثل بورشه حيث يجعل السيارة أفضل عند الجر، ولكنه قد يجعلها عرضة لفقد القدرة على توجيهها بسبب الوزن الكبير في المؤخرة.
الجانب الآخر!
رغم كل هذا الجموح والمتعة اللذين تمنحهما السيارات الرياضية لمالكها، إلا أن ذلك لا ينفي قلة المنافع والمزايا المستفادة منها ليظهر الجانب الآخر للأمر، فحجم السيارة صغير لا يتسع لجلوس أكثر من شخصين، وبالتالي لا تصلح للعائلة أو اصطحاب الأصدقاء، كما أنها لا تتسع لوضع كثير من الأغراض داخل صندوقها الصغير بعد جولة تسوق، ومن ناحية أخرى فهي لا تتحمل السير على الطرق غير الممهدة، خاصةً مع انخفاضها وقربها من مستوى الأرض حيث تكون أكثر عرضة للتضرر.. هذه الأمور -وإن لم تؤثر كثيرًا في انتشارها سابقًا- بدأت في التأثير على موقفها حاليًا، فقد رصدت بعض المواقع تراجعًا ملحوظًا في مبيعات هذه الفئة في الولايات المتحدة خلال العامين الماضيين!
بالطبع ليست هذه هي الأسباب الوحيدة وراء تراجع المبيعات، فمزايا وعيوب السيارات الرياضية ملازمة لها منذ ظهورها وليست وليدة اليوم، ولكن في الماضي لم يكن الحصول عليها يمثل صعوبة كبيرة؛ خاصةً مع انخفاض سعر الوقود، كما أن البعض قد يقضي عطلته في إصلاحها بنفسه أو حتى تعديلها دون مشكلة، أما اليوم ومع تقدم تكنولوجيا التصنيع لم يعد ذلك مطروحًا بعد أن أصبحت مكوناتها أكثر تعقيدًا وتحتاج لأماكن خاصة مجهزة، ومن ناحية أخرى فإن النمط السريع للمعيشة الآن كان له تأثيره على طريقة التفكير، فأصبح الشغل الشاغل للأفراد هو الوصول من نقطة لأخرى، ولم يعد الاهتمام بتفاصيل السيارة نفسها كما كان في العقود السابقة، كما أن الأجيال الجديدة أكثر اهتمامًا بجانب البيئة والتأثير عليها مع تزايد التحذيرات من أضرار التلوث، فأصبح الاتجاه إلى السيارات الهجينة والكهربائية متصاعدًا مقابل السيارات الرياضية حتى مع أدائها الفائق، بعكس الأجيال السابقة التي لم تلقِ بالاً لهذا الأمر حينها.
---
لكل عصر شكل مختلف في المعيشة والأولويات وطريقة التفكير، ومثل هذه العوامل وإن كانت تؤثر سلبًا على مبيعات السيارات الرياضية مستقبلاً، ففي النهاية هذه الفئة لها عشاقها ممن يبحثون عن الجموح والانطلاق، والتي لا أتخيل أن تندثر يومًا مهما ازدادت تعقيدات الحياة.