من وجهة نظري الشخصية أرى أن قطاع السيارات في مصر بات غير جاذب للاستثمار في ضوء العديد من المعوقات التي يتعرض لها، خصوصًا خلال آخر ثلاث سنوات.. ولا أنكر أن النسبة الكبرى من هذه المعوقات سببها ممارسات فاسدة من بعض عناصر قطاع السيارات ذاته، نتجت عنها إجراءات احترازية من المسؤولين عن وضع اللوائح المتعلقة بالموارد السيادية، أو بمعنى أوضح اللائحة الجمركية..
من حق الدولة أن تضع كافة السبل التي تحمي حقوقها، فهو أمر ليس محل نقاش أو جدل، ولكن في الوقت ذاته لا بد من تحري الدقة فيما يصدر من قرارات من جانب، ومن جانب خر الاعتماد على أسس واقعية في حالة وجود شك نحو المستندات المقدمة من المستوردين .
كما لا بد أن يدرك القائمون على اتخاذ القرار أن المنافسة غير الشريفة قد تدفع أحيانًا بعض محترفي الشر إلى تقديم السم في العسل.. على سبيل المثال يقوم أحد المستوردين باستيراد طراز يحمل علامة تجارية صينية بكمية محدودة ويقدم فواتير مبالغ فيها لأنه انتوى سابقاً ألا يتم استيراد هذا الطراز.. وطبعًا ليس من المنطقي أن يساور الشك من يقرر القيمة الجمركية لأن المنطق يقول إن اللعب في الفواتير يكون بتخفيضها وليس العكس .
ولذا فإن هذه العملية تحمل شعار السم في العسل.. قدم فاتورة عسل وبداخلها سم يقتل منافسيه.. وبناءً عليه من المنطقي أن رجال الجمارك الشرفاء عندما يكتشفون أن هذا الطراز -وقد يكون أفقر في تجهيزاته من طراز منافس- فاتورته أعلى سعرًا يلجأون إلى الفواتير الاسترشادية، وهو حق منحه لهم القانون من منطلق التصدي لبعض المتلاعبين، ولكن الفواتير الاسترشادية قد تصيب الصالح والطالح..
بالنسبة إلى الطالح لا يهمنا أمره بل إنني أطالب بتوقيع أقصى ما يمكن من عقاب في حال ثبوت تورطه، أما من يثق في صحة مستنداته لا بد أن تتاح له الفرصة لتوضيح موقفه.. علمًا بأن سياسة تسعير الشركات الأم تختلف وفقاً لطموحاتها الخارجية، كما أن الاسترشاد عن القيمة الحقيقية في بلد المنشأ يجب أن يراعي عدة اعتبارات، أولها أن سعر السيارة المطروح للمستهلك داخل بلد المنشأ يختلف عن السعر الذي يتم الاتفاق عليه مع الوكيل، لأنه بطبيعة الحال يحصل على خصم على الكمية .
ثانيًا السيارة المطروحة في بلد المنشأ محملة بالقيمة الضريبية المفروضة من دولة الصانع، وهذه الضرائب يتم خصمها في حالة تصدير السيارة خارج بلد الصنع، وأحيانًا يمنح بعض المصانع العالمية خصماً على بعض الطرازات التي مرت فترة على إطلاقه .
كل هذه العوامل تؤدي إلى اختلاف بين قيمة الفاتورة المقدمة لمصلحة الجمارك والسعر المطروحة به في بلد المنشأ، بنِسَب تتراوح بين 28% و33% يستفيد بها الوكيل أو المستورد، ومن هنا يأتي التفاوت بين الفواتير المقدمة من المستورد وسعر السيارة في بلد المنشأ .
ولكن هذا لا ينفي وجود ممارسات فاسدة من قِبل البعض في هذا الشأن، وهذه الممارسات لا تنحصر في التلاعب في الفواتير فقط ولكن لو تم فتح ملف تجميع السيارات في مصر سوف نكتشف أن خزينة الدولة خسرت مليارات الدولارات خلال آخر ثلاثة عقود في تجربة ظاهرها يحمل البعد الاجتماعي والمستهلك والقضاء على البطالة والتصدير وباطنها يحمل بلاوي لا حصر لها. نفس الأمر بل يزيد ينطبق على التكتوك، وعندي يقين أن رجال الجهة السيادية المحترمة التي تشرف على منظومة الجمارك حاليًا سوف تكتشف بالفعل بلاوي من العيار الثقيل.
وبوجه عام فإن الإصرار على تعميم التقديرات الاسترشادية دون إتاحة الفرصة للمتضررين لتقديم مستنداتهم سوف يقفز بسعر السيارات الصينية إلى أرقام لن يقبلها المستهلك، وقد تتسبب في خروج وكلاء من السوق، وقد يستغل بعض المنافسين غياب المنتج الصيني ويرفعون الأسعار، علمًا أن معظم وكلاء السيارات الصينية حالياً يفكرون بقوة في خوض تجربة التصنيع في ضوء الاستراتيجية المزمع إقرارها والتي من المفترض أن تكون استراتيجية جاذبة للاستثمار، خصوصًا لمصانع السيارات العالمية ..
وفي هذا الشأن أجزم بأن المصانع الصينية هي الأكثر تحمساً لإقامة استثمارات في مصر في قطاع السيارات.. هذا ما لمسته بنفسي من خلال لقاءات صحفية سابقة جمعتني بأكثر من مسؤول في شركات السيارات الصينية، ويجب أن نضع أيضًا في اعتبارنا أن الصين في طريقها للسيطرة الكاملة على صناعة السيارات العالمية باستحواذها على ثلث الإنتاج العالمي من جانب وتوغلها داخل الشركات العملاقة من خلال عمليات اندماج وشراء شركات بالكامل من جانب آخر، والعالم كله تابع الصفقة التي تمت مؤخراً بين جيلي الصينية ومرسيدس بنز الألمانية.