حجم الخط:
ع
ع
ع
الأحلام الشاهقة لابد ان يقابلها أساس محترم _ أساس قوى متين _ يتفق مع سقف هذه الأحلام .. ولكن مشكلة هذه المرحلة البنائية انها تتم _ تحت منسوب الارض _ وقد لا يشعر بها او يقدرها العامة .. رغم ان التكلفة والجهود المبذولة فى الحفر وعمل القواعد العادية والخرسانية اللازمة قد يتجاوز فى تكلفته ومجهوده حجم تكلفة المبنى ذاته _ هذا اذا كنت تحلم بتشيد مبنى شاهق او ناطحة سحاب _ فلابد ان تلتزم بالقواعد والقوانين الهندسية .
وسبب كتابتى لهذه السطور السالفة انه اثناء تأملى لأحوال وابرز احداث سوق السيارات فى مصر خلال عام مضى ، اكتشفت فكراً ومنهجاً غريباً وغير معتاداً قامت به احدى شركات السيارات فى مصر _ شركة القصراوى جروب _ وكيل علامتى " جاك " و " سينوفا " والموزع المعتمد لمجموعة من العلامات التجارية العريقة .. حيث ركزوا الجزء الأكبر من إستثماراتهم هذا العام على قطاعى خدمات ما بعد البيع ، والتسويق .
فى قطاع خدمات مابعد البيع قاموا هذا العام بتشيد مشروعين عملاقين فى منطقتي القطامية ومدينة نصر لخدمة علامتى جاك الصينية ونيسان اليابانية .. والعبقرية هنا لا تنحصر فيما يبدو على المشروعين من ضخامة وثراء فى التجهيزات ولكن فى حسن ودقة اختيار مواقع استراتيجية .. تم تحديدها وفقاً للكثافة السكانية الحالية والمحتملة خلال المستقبل القريب والبعيد .. ليس على المستوى الكمى فحسب ولكن على مستوى المقدرة المادية لشاغلي هذه المناطق
وفيما يتعلق بالأنشطة التسويقية قامت الشركة هذا العام بالتركيز على تثمين علامتها التجارية العريقة وايضاً تعزيز العلامات التجارية التى تمثلها محلياً من خلال حملات ترويجية ناجحة كان من ابرزها اقتناص عقد رعاية المنتخب المصرى خلال المراحل النهائية من التصفيات والتى تعد المرحلة الحاسمة والأكثر أهمية ومتابعة ، وادراكاً من جانب القائمين على ادراة التسويق لمدى عشق واهتمام المصريين برياضة كرة القدم قاموا أيضاً بالتعاقد على رعاية الدورى الكروى المصرى بشكل عام .. وربما النادى الاهلى بشكل خاص مستقبلا من منطلق ما يتمتع به من شعبية طاغية .
ومصدر اعجابى بهذا الفكر الاستراتيجى انه يذكرنى بتجربة الدكتور / احمد بهجت احد رواد الصناعة فى مصر عام 94 من القرن الماضى عندما طرح تليفزيون جولد ستار الكورى .. وبلغت مصاريف الدعاية فى العام الاول لهذا المنتج (6 مليون جنيه ) فى حين لم تتجاوز المبيعات حاجز ال (4 مليون جنيه ) عن نفس الفترة .. الامر الذى عجز عن تحليله وتفسيره الخبراء والمحللون الاقتصاديون .. ولكن خبراء التسويق فكوا هذه الشفرة بان الرجل لا يستهدف منتج "جولد ستار "بعينه ولكنه يؤسس لإمبراطورية صناعية وتجارية تحمل اسم وشعار وبهجت .. وقد اثبتت الأيام مدى ما يتمتع به خبراء التسويق من رؤى بعيدة المدى .
ولذا ارى بان الاستثمار فى قطاعى الخدمات والتسويق من جانب مجموعة القصراوى جروب يعد بمثابة القواعد الخرسانية التى تسعى المجموعة لتأسيسها لتحقيق أهداف إستراتيجية بعيدة المدى .. وقد لاحظت بشدة ملامح هذه الاستراتيجية من خلال بعض احاديثى القصيرة مع المحاسب / محمد القصراوى رئيس مجلس الادارة حيث استشعرت من خلال بعض كلماته انه يسعى لتحويل المجموعة من كيان تجارى الى كيان صناعى او ان تصبح مؤسسة صناعية تجارية بحلول عام 2030 على أقصى تقدير .. فقط الرجل ينتظر خروج استراتيجية صناعة السيارات الى النور . ليبدأ فى تنفيذ العديد من المشروعات الطموحة .
وعلى المستوى الادارى ارى فى هذه الشركة منذ فترة طويلة ملامح تحول من الفكر المركزي الذى يحكم فكر معظم رجال الاعمال فى مصر الى الفكر المؤسسى القائم على سيستم قوى لا يتأثر بالأفراد .. ولا شك ان وجود مؤسسات تجارية او صناعية بهذا الشكل يساهم فى تنمية الاقتصاد المحلى بوجه عام .. وأتمنى ان العديد من التجارب المثيلة بهذا الفكر ليس على مستوى قطاع السيارات فحسب ولكن على مستوى جميع القطاعات العاملة فى مجالى التجارة والصناعة .