يمثل سوق السيارات فى مصر، مثله مثل أي سوق فى العالم، قوى رئيسية تتفاعل مع بعضها البعض. تلك القوى فى السوق المحلي هي الجهة المصنعة والوكلاء والموزعين أو التجار والعملاء.
يحدث التوازن فى السوق عندما يتوازن تأثير تلك القوى ويختل هذا التوازن عندما تطغي قوة منها على الأخرى. ومنذ سنوات نشهد أن قوة تجار السيارات وبعض الموزعين تطغى على المستهلكين، فيحدد الوكيل سعراً رسمياً للسيارة ولكن يتحكم بعض التجار والموزعين فى سعر البيع الفعلي نتيجة لزيادة الطلب عن المعروض بسبب تدافع الناس لشراء سيارة جديدة، ليصل الفارق بين سعر الوكيل أو المصنع والسعر الفعلي للمستهلك فى بعض الأحيان إلى عشرات آلاف الجنيهات بل ويزيد السعر كثيراً عن ذلك فى بعض الأحيان.
تلك المرة، ظهرت قوة جديدة على المعادلة وهي قوة المستهلك، وكان ظهور تلك القوة بالصدفة البحتة ودون ترتيب مسبق.. نعم بالصدفة أكتشف الناس أن أرتفاع الأسعار غير المبرر هو من صنع أيديهم هم دون أن يقصدوا .. تماماً كما أكتشفنا مؤخراً أن أنخفاض الأسعار الأخير كان من صنع أيديهم ايضاً وبدون قصد.
فمع حالة التضارب والأرتباك التى سادت السوق المصري خلال الفترة الأخيرة فى أنتظار إلغاء الجمارك على السيارات الأوروبية، آثر بعض المستهلكين ممن خططوا لشراء سيارة جديدة السلامة وفضلوا الأنتظار لحين وضوح الصورة مع بداية العام القادم. وترتب على ذلك تباطؤ شديد فى المبيعات منذ الإعلان عن القرار. بالطبع كانت نتيحة هذا التباطؤ حالة من الكساد دفعت التجار للتحرك لتحريك السوق مرة أخرى، فتخلى البعض عن الأوفر برايس، وأضطر البعض الأخر لتضحيات مؤلمة بهدف الأستمرار .. أما النتجية النهائية فكانت أنخفاض فى أسعار كثير من السيارات وعروض لم يشهدها السوق منذ فترة.
تراوح أنخفاض الأسعار بين بضعة آلاف ووصل لعشرات الآلاف فى بعض السيارات بل تجاوز حاجز 100 ألف جنيه فى موديلات تعتمد على محركات ذات سعة لترية كبيرة. اللافت ان هذا الأنخفاض لم يقتصر على الموديلات الأوروبية التى ينتظر المستهلك أنخفاض أسعارها، بل شمل أيضاً موديلات غير أوروبية سعياً للتخلص من المخزون لدى التجار قبل أنتهاء العام الحالي.
ربما الدرس الذى يمكن أن يستخلصه المستهلكون من ذلك هو أن سوق السيارات يحكمها العرض والطلب، ويتحدد السعر الفعلي – بغض النظر عن السعر الرسمي - نتيجة لتلك القاعدة. وعندما قرر المستهلكون التريث فى قرار الشراء والأنتظار قل الطلب عن العرض فأنخفضت الأسعار. وفى عشرات الحالات السابقة، عندما تدافع الناس على الشراء والحجز أرتفع للسعر ونما سوق الأوفر برايس نتيجة أستغلال البعض.
ربما لم يقصد الناس تلك المرة الإحجام عن الشراء نتيجة ارتفاع الأسعار، فلم يستجب المستهلك مثلاً لحملة تدعو لمقاطعة شراء السيارات بسبب أرتفاع أسعارها، ولكنهم أستخدموا قوتهم التى لم يدرك كثيرين منهم أنهم يمتلكونها حتى ولو حدث ذلك بدون قصد. .. وكانت النتيجة مذهلة.