قامت الدنيا ولم تقعد أمس بعد أنباء عن طلب مصر تأجيل خفض الجمارك على السيارات الأوروبية إلى 0% لمدة عام أو عامين وهو القرار الذى كان من المفترض أن يبدأ تطبيقه أوائل العام القادم بموجب اتفاق الشراكة الأوروبية والذي يعود لأعوام مضت وقضى بخفض الجمارك على السيارات ذات المنشأ الأوروبي تدريجياً إلى أن تصل الجمارك إلى 0%. وكان الملايين فى مصر ينتظرون هذا القرار أملاً فى خفض أسعار السيارات التى وصلت إلى أرقام فلكية بعد تعويم الجنيه، ولكن الواقع هو أن تطبيق تلك الإتفاقية لن يحل مشكلة الأسعار خاصةً وأن الشريحة التى كانت ستستفيد من هذا القرار كانت تتمثل فى السيارات ذات السعة اللترية أعلى من 1600 سي سي وهي شريحة ذات مبيعات هزيلة فى مصر. كما أن تأجيل الاتفاق لن يحل المشكلة على الإطلاق ولن يحمي صناعة السيارات فى مصر، ولكن الحل الأساسي يتمثل فى التأسيس لصناعة سيارات قوية جاذبة للاستثمارات، خاصةً وأن كثير من الشركات العالمية عبرت عن رغبتها فى الاستثمار فى مجال التجميع والتصنيع بمصر ولكنها رهنت البدء فى ذلك بوجود أستراتيجية واضحة لصناعة السيارات فى مصر وهو ما لم يتحقق حتى الآن، بل أن البعض، فعلاً لا قولاً، عبر عن عدم اقتناعه بالأستراتيجية المقترحة حالياً وأحجم عن الأستثمار فى السوق المحلي، بل ورأي كثيرون أن الأستراتيجية الحالية تخدم مصالح البعض على حساب الأخرين.
قضية أرتفاع السيارات فى المقام الأول ترتبط بسعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري، ولا حل لتلك القضية سوى بأنخفاض الطلب على الدولار من خلال توفيره فى السوق. وتوفير الدولار لا يأتي سوى بزيادة التصدير الذى ربما لا يكون فى شكل سيارات، بل يمكن أن يأخذ شكل قطع غيار ومكونات سيارات فى البداية وهو أمر قد يفتح أفاقاً جديدة ويوفر مئات الآلاف من فرص العمل، ويكفى أن نعلم أن صادرات الهند من صناعة البرمجيات فقط جاوزت رقم 111 مليار دولار فى العام الماضي، فلماذا لا تصدر مصر مكونات للسيارات بمليارات الدولارات وتجذب شركات عملاقة فى هذا المجال لتصنيع المكونات. أما بالنسبة لصناعة السيارات، فلدينا شركات مثل بيجو ورينو وفورد وكيا وشركات صينية يتعين على الحكومة تقديم تسهيلات لهم لتحفيزهم على التصنيع المحلي مع إعفاءات ضريبية فى حالة تخطى الإنتاج رقم معين فى العام كما تفعل بعض الدول.
الحل بالنسبة لإتفاقية الشراكة الأوروبية لا يتمثل فى التأجيل المستمر لتطبيق الإتفاقية، بل فى جذب شركات السيارات الأوروبية لبدء عملياتها التصنيعية فى مصر وهو أمر لن يحدث إلا من خلال تصور مصري واضح يخرج للنور وبسرعة لمستقبل تلك الصناعة فى مصر، على أن يكون هذا التصور مبنياً على مصلحة مصر وشعبها، وليس على مصالح أفراد.