لا شك فى أن بدء إلغاء الجمارك على السيارات الأوروبية يعد خبراً جيداً للمستهلك المصري حتى وإن كانت قيمة تلك التخفيضات بسيطة فى أغلب الحالات. ولكنها بالنسبة للشركات غير الأوروبية ستمثل تحدياً وسيتعين على وكلاء تلك الشركات العمل على مواجهته خلال الفترة المقبلة.
البعض لن يمثل الأمر بالنسبة له أي مشكلة ومنهم شيفروليه وهيونداي وجيب حيث يتم تجميع الكثير من موديلات تلك العلامات محلياً وبالتالي فإن أسعارها مقارنة بنفس الموديلات المستوردة تعد منخفضةً نسبياً. ولكن فى ذلك مشكلة للكثير من الشركات الأخرى التى تطرح فى السوق سيارات هي فى أغلب الأحوال منتجة فى أسيا أو في مناطق أخرى.
المفارقة تتمثل فى أن موديل مثل فولكس فاجن جيتا لن يتمتع بالتخفيضات الجمركية القادمة بسبب تصنيعه فى مصانع فولكس فاجن بالمكسيك ولهذا كان منطقياً أن تعرب الشركة عن رغبتها فى بحث تجميع الموديل فى مصر لخفض أسعاره وتمكينه من المنافسة فى السوق.
توقعاتي هو أن الضغط الذى ستسببه تلك الإتفاقية وأنخفاض أسعار السيارات الأوروبية ولو بنسب متفاوتة سيدفع الكثير من الشركات غير الأوروبية إلى التفكير بشكل جدي فى تجميع موديلاتها فى مصر كبديل عن الأستيراد ليس لشئ سوى للإبقاء على حظوظها فى السوق.
وربما الميزة فى مصر هو أن كثير من مصانع السيارات المحلية لا تعمل بكامل طاقتها وبالتالي لن تحتاج تلك الشركات إلى إنشاء مصانع خاصةً بها، بل ستستعين بقدرات مصانع قائمة بالفعل لبدء الإنتاج.
ربما سيعادل الوفر الذى ستحدثه عمليات التجميع فى مصر ولو بأعداد بسيطة توازناً فى السوق خلال الفترة المقبلة والتى يتوقع كل الخبراء أن تشهد إقبالاً على السيارات أوروبية المنشأ على حساب باقي السيارات. وقد يدفع ذلك إلى خلق الفرصة لمنافسة حقيقية فى السوق تصب فى مصلحة المستهلك وتخلق مزيداً من فرص الحادة نحن فى أمس الحاجة إليها.
أحياناً لا نقوم بتقدير أنفسنا بشكل جيد بينما يرى فينا الآخرون ما لا نراه نحن. وأبرز دليل على ذلك سعي سيات وفولكس فاجن وهي الشركة الأم لها للتجميع المحلي حسبما يتردد الآن عن زيارة لوفد من الشركة لمصر لوضع اللمسات النهائية لعملية تجميع موديل أتيكا من خلال المفاضلة بين عدد من المصانع الموجودة حالياُ، مع تصريحات بأن الطاقة القصوى لخط الإنتاج سيصل إلى 5 آلاف سيارة. وأتوقع أن ذلك سيكون بمثابة تمهيد لإنشاء فولكس فاجن مصنعاً مستقلاً لها فى مصر خلال السنوات القادمة.
وبالمناسبة لم تكن فكرة إنشاء فولكس فاجن مصنعاً لها فى مصر جديدة، بل فكرة تعود إلى عام 1979 حينما أعلنت الشركة عن إنشاء مصنع لها فى مصر وهو ما لم يتحقق. وفى يناير الماضي، زار وفد من المجموعة مصر وبحث إمكانية إنشاء مصنع ومنطقة لوجيستية فى منطقة قناة السويس. وقبلها قامت مرسيدس بالإعلان عن منطقة إعادة توزيع للشرق الأوسط فى منطقة قناة السويس.
لدينا الفرص التى لو قمنا بإستغلالها بشكل جيد لتغير الوضع فى مصر والمنطقة بأسرها وأختلفت الصورة. ومن غير المنطقي فى دولة يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة وتتمتع بموقع استراتيجي يتوسط قارات العالم أن تقوم 19 شركة فقط بالتصنيع المحلي من بين 170 شركة تعمل فى مجال السيارات ووسائل النقل.
يمكننا تغيير هذا الواقع بالتخطيط المدروس والنظرة المستقبلية ووضع رؤية لما ينبغي أن يكون عليه واقع صناعة السيارات فى مصر خلال سنوات من الآن.
وستكون خطوة موفقة للغاية من الحكومة إن قدمت مزايا وتسهيلات للشركات غير الأوروبية لتبدأ عمليات تصنيع فى مصر.