يتعجب البعض من سر الانتشار الرهيب لحملات "خليها تصدي" خلال الأيام الأخيرة ويرى أن الأمر ينطوى على مبالغات ومجرد زوبعة فى فنجان سرعان ما ستتراجع وينساها الناس. والواقع أن تلك الحملة بدت منطقية فى سوق سيارات لا ضابط ولا رابط لها وتعبير حقيقي عن حالة عدم الثقة التى باتت اليوم هي عنوان العلاقة بين تجار السيارات والمستهلكين.
ويخطئ من يظن ان تصريحات بعض مسئولي الشركات وخبراء السوق بأن مجرد الخروج على الفضائيات ومحطات الإذاعة والتأكيد بأن أسعار السيارات لن تشهد مزيداً من الانخفاض خلال الفترة القادمة كفيل بأن يهدئ السوق ويعيد الاوضاع إلى ما كانت عليه، حيث جاءت تلك التصريحات - التى لا نشك ولو للحظة فى نزاهة من أطلقوها ومن حياد آرائهم - بنتيجة عكسية فزادت النار أشتعالاً وباتت المعركة بين حملات المقاطعين وبين التجار أشبه بتكسير العظام،
المقاطعون يؤكدون أنهم سيحجمون عن شراء السيارات إلى أن يخضع التجار ويخفضون الأسعار بشكل مقبول لا يضر بالطرفين، والتجار يؤكدون أنهم "جابوا أخرهم" وأنهم لا يستطيعون خفض الأسعار أكثر من ذلك، في حين يترقب البعض الوضع فى السوق لأتخاذ القرار المناسب وسط تلك الفوضى.
الواضح من تلك الحملة أنها انتقام من التجار ورد لصفعة "الأوفر برايس" التى رفعوا فيها الأسعار بعشرات الآلاف – وأحياناً ما هو أكثر من ذلك - عن السعر الأصلي وإلا يتعين على العميل الأنتظار لأشهر حتى يتسلم سيارته الجديدة. ورغم أن تلك الظاهرة صارت شيئاً من الماضي، إلا أن المستهلكين لم ينسوا تلك الأيام، وتحينوا الوقت والفرصة الملائمين لرد الصفعة.
وبعد أن كان التجار يفرضون شروطهم وأسعارهم، أمسك المستهلكون من خلال تلك الحملات بزمام المبادرة مع إلغاء الجمارك على السيارات الأوروبية، وطالبوا بتخفيضات أكبر فى الأسعار رغم أن ذلك قد يبدو غير ممكن بالنسبة لكثير منهم إلا أن الطرف الأخر لا يكترث بذلك ويصرعلى أنه لا بد من التخفيضات وإلا ستستمر المقاطعة وتزيد.
ويعلل البعض هذا الإصرار على المزيد من التخفيضات وعدم الإقتناع بما حدث من تراجع للأسعار بأنه عندما فرض التجار الاوفر برايس على المستهلك، لم يتحرك أحد وأخذ الجميع موقف المتفرجين، معللين ذلك بأن السعر يخضع للعرض والطلب، ويؤكدون أن نفس الشئ ينطبق على الوضع الحالي ما دام الأمر يخضع لنفس المبدأ، ولكن بصورة عكسية، ففي الوقت الذي يسعى التجار لبيع ما لديهم من سيارات فى الوقت الذى يحجم فيه الناس عن الشراء، يجب أن تنخفض الأسعار تطبيقاً لنفس المبدأ الذى تشدق به الجميع خلال فترة "الأوفر برايس".
تصريحات بعض المسئولين عن شعبة السيارات تفيد بأن المبيعات تعاني من ركود وسط ترقب البعض و أستجابة البعض الآخر ناهيك عن أن البعض توقع أن تهبط الأسعار بقدر كبير وهو ما لم يحدث فظل اقتناء سيارة جديدة بعيداً عن إمكاناته.
يعيش سوق السيارات معضلة حقيقية تلك الأيام، ولا سبيل لحل تلك المعضلة سوى إعادة بناء جسور الثقة بين الطرفين كي يستعيد السوق عافيته.. كيف يحدث ذلك ؟ .. لا أدري، ولكن لا بد أن يحدث ذلك و فى أسرع وقت ممكن. والأفضل أن تتدخل جمعية حماية المستهلك بشكل أو بأخر كطرف محايد فى تلك المشكلة وتوضيح الصورة أمام الجميع.
أما بالنسبة لتصريحات بعض الخبراء بأن الأسعار سترتفع، فلا داعي لها فى الوقت الراهن لأنها ستزيد من الفجوة بين الطرفين كما أنها ستسكب المزيد من الزيت على النار ولن تقنع الناس.
وأخيراً أتوقع أن تنخفض الأسعار مجدداً إن كانت تجارة السيارات فى مصر تخضع بالفعل لأليات العرض والطلب كما يقولون.