فى خبر قد يراه البعض صادماً، أعلنت سكودا التشيكية أنها تستعد للكشف عن موديل سكالا الجديد كلياً يوم السادس من ديسمبر القادم .. حتى هذا الجزء من الخبر يبدو الأمر عادياً ولكن الصادم فى الخبر هو أن الكشف الرسمي عن السيارة سيتم فى تل أبيب!!!
ليست القضية فى مكان تقديم السيارة ولكن القضية هي سبب تقديم السيارة الجديدة هناك .. ببساطة صارت إسرائيل نقطة جذب لكثير من شركات السيارات العالمية للأستثمار فيها وهي اليوم تخطط لأن تكون أحد اللاعبين الكبار فى عالم صناعة السيارات، ليس من خلال إنشاء خطوط تجميع بل من خلال تطوير التقنيات المستخدمة فى صناعة السيارات وتطويرها.
تخيلوا أن إسرائيل التى لم يكن لها وجود قبل 70 عاماً باتت اليوم أحد أهم مراكز تطوير تقنيات السيارات، وهو مجال لم تبدأه تل أبيب قبل سنوات ولكنها حققت فيه تطوراً مستمراً حتى باتت تقترب من هدفها المعلن بأن تكون أحد المراكز الرئيسية لتقنيات السيارات فى العالم.
وفى الوقت الذى مازالت "استراتيجية" صناعة السيارات فى مصر تتعثر، أصدرت إسرائيل قراراً حكومياً بإطلاق مبادرة لتشجيع المستثمرين والكيانات الصناعية ومراكز البحث هناك على البحث والتطوير فى مجال حلول النقل الذكية كي تكون إسرائيل رائدة على المستوى الدولي فى هذا المجال. وفى الوقت الذى نتحدث فيه عن حوافز لمصنعي السيارات المحليين الذين يأتون بسياراتهم مفككة من الخارج وهي الحوافز المادية التى قد تصل للمليارات سنوياً، خصصت الحكومة الإسرائيلية مبلغ 59 مليون دولار فقط لتحقيق هدفها.
أما المحزن فى الأمر فهو أنه فى الوقت الذي تحجم فيه الشركات العالمية عن الأستثمار فى مصر أو فتح مصانع أو مراكز أبحاث وتطوير لها فى مصر، تقوم الكثير من تلك الشركات بضخ أستثمارات بالمليارات فى إسرائيل ومنها على سبيل المثال لا الحصر فولكس فاجن التى أستثمرت مبلغ 300 مليون يورو فى شركة "جيت" للنقل، بينما أشترت فورد شركة لتقنيات السيارات. وحتى بي أم دابليو قامت قبل ثلاث سنوات بأستثمار عشرات الملايين من الدولارات فى تطبيق إسرائيلي للنقل يعرف بإسم "موف إت". أما شركة إنتل الأمريكية فقالت أنها ستدفع 14.7 مليار دولار لشراء شركة موبيل آي الإسرائيلية لتقنيات القيادة الذاتية وستقوم الشركة بموجب هذا الإتفاق بنقل فريقها للأبحاث فى مجال تقنيات السيارات من الولايات المتحدة إلى إسرائيل. أما بورش فأعلنت هذا العام أنها أستثمرت الملايين من الدولارات فى شركتين تركزا على أستخدام الذكاء الصناعي فى عدة مجالات تتعلق بصناعة السيارات وأنشأت مكتباً للأبتكار فى إسرائيل أما السبب وراء ذلك كما تقول الشركة فهو ضمان الوصول لتوجهات التقنيات والمهارات الجديدة فى عالم السيارات. أما المثير فهو أن بورش ليست وحدها من قام بأفتتاح مثل هذا المركز فى إسرائيل، بل سبقتها جنرال موتورز ودايملر الألمانية فى أفتتاح مراكز للأبحاث والتطوير هناك ، وحتى شركة شيري الصينية قامت بإنشاء شركة كوروس بالتعاون مع شركة إسرائيلية.
الإحصاءات تفيد بأن لدى إسرائيل 400 شركة أغلبها تعمل فى مجالات تتعلق بتقنيات بتقديم حلول الأتصالات والقيادة الذاتية للسيارات، بينما تركز شركات أخرى على مجال تأمين البيانات.
بعد كل ما سبق، ليس غريباً أن تقوم سكودا بإختيار تل أبيب لتقديم أحدث سياراتها عالمياً، ولكن الغريب حقاً هو ما وصلنا إليه اليوم فى مجال صناعة السيارات.
فإسرائيل التى لم تشهد صناعة سيارات حقيقية بأستثناء شركة تسمي أوتوكارز قامت بتجميع سيارات منذ عام 1957 وحتى عام 1980 فضلاُ عن قيام فورد بتجميع بضع مئات من الجرارات الزراعية فى إسرائيل فى الستينيات. أما فيما عدا ذلك لم تشهد إسرائيل صناعة سيارات حقيقية، ربما لإدارك بأن بضع ملايين من السكان لا تكفي لقيام صناعة سيارات قوية، أتجهوا بعدها للبحث عن مجالات نوعية منها التقنيات.
أما نحن فى مصر فقد بدأنا صناعة هياكل السيارات والحافلات فى العشرينيات وبدأنا تجميع السيارات فى الثلاثينيات وقمنا بتجميع الشاحنات فى الأربعينيات وفى الخمسينيات كان مصنع فورد يقوم بتجميع الجرارات الزراعية والشاحنات وسيارات الركوب والميكروباص إلى أن توقف عام 1966، كل هذا السرد على سبيل المثال لا الحصر.
سيتابع الملايين تقديم سكالا الجديدة من تل أبيب، بينما يثار الجدل عن خفض الجمارك على السيارات الأوروبية والتوسع فى إنتاج التوك توك محلياً. وللحديث بقية.