تابع العالم ما حدث لرئيس نيسان ورينو وميتسوبيشي كارلوس غصن وثاني أرفع مسئول تنفيذي فى نيسان بعد إلقاء القبض عليهم بتهمة أرتكاب مخالفات مالية منها الإبلاغ بأرقام أقل من الدخل الحقيقي للسلطات وهي تهمة قد يترتب عليها إن ثبتت على غصن حكماً بالسجن لمدة 10 سنوات مع غرامة تصل إلى أكثر من سبعين ألف دولار.
لم تكن تلك هي التهمة الوحيدة لغصن، بل اتهمه تحقيق داخلي فى نيسان بأستغلال أموال الشركة لشراء عقارات فارهة فى باريس وريو دي جانيرو وبيروت وأمستردام للاستخدامات الشخصية علاوة على تحميل الشركة مصاريف أجازات أفراد عائلته دون وجه حق.
حتى تلك النقطة يبدو أن الأمر يتعلق بقضية فساد مالي كشفتها نيسان وأبلغت عنها السلطات. ولكن رد فعل مجلس إدارة رينو كشف عن صراع خفي بدأ يطفو على السطح بين قطبي التحالف نيسان ورينو. فخلال اليومين القادمين، ستقوم نيسان بعقد أجتماع لمجلس الإدارة سيتم خلاله الإطاحة بغصن من منصبه. أما اجتماع مجلس إدارة رينو أمس، فأتخذ فيه المجلس "إجراءات انتقالية لإدارة الشركة" وأبقت على غصن فى منصبه.
قد يتعجب البعض عندما يسمع أن هناك صراعاً خفياً بين قطبي أحد أنجح التحالفات فى عالم صناعة السيارات، ولكن الواقع يشير إلى أن هذا الأمر حقيقي. وأن غصن، علاوة على مخالفاته المالية، كان ضحية لهذا الصراع المكتوم والذى ظهر إلى العلن عندما أجرت نيسان مؤتمراً صحفياً لم تذكر فيه غصن بكلمة طيبة، وهو من تولى تغيير شكل نيسان وجعلها أحد اللاعبين الكبار على الساحة العالمية.
لنفهم هذا الصراع، ينبغي أن نعلم أن كلاً من نيسان ورينو تمتلكان حصصاً فى بعضهما البعض بمعنى أن رينو تمتلك حصة في نيسان تبلغ أكثر من 43% مع سلطة تصويت كاملة فى مجلس الإدارة، في حين تمتلك نيسان حصة تبلغ 15% من رينو ولا تمتلك سلطة التصويت. وتمتلك نيسان بدورها 36% من شركة ميتسوبيشي اليابانية. وبالنظر إلى امتلاك رينو ونيسان لنسب متداخلة، فإن الطرف المسيطر على هذا التحالف هو رينو التى تمتلك الحكومة الفرنسية حصة تبلغ 15% منها.
السبب القوي الذى يبدو واضحاً وراء الإطاحة بغصن الذي كيلت له الإتهامات فى غيابه وعدم قدرته الدفاع عن نفسه هو أن غصن أراد تبسيط هذا البناء المعقد للتحالف بدمج نيسان ورينو وميتسوبيشي معاً، وبالتالي ستكون السيطرة التامة على التحالف نتيجة هذا الدمج هي للفرنسيين، وهو ما لم يرغب فيه مسئولي نيسان حيث أرادوا استقلالية نيسان ورأوا أن غصن منحاز للحكومة الفرنسية على حسابهم. وأشار مسئول رفيع المستوى بنيسان من قبل أنهم مستعدين لمناقشة أي تعاون إضافي بين أعضاء التحالف الثلاثي ولكن لا مجال لحدوث أندماج كامل بين رينو ونيسان.
يمكن أن نضيف إلى ذلك أن تلك السيطرة الفرنسية لا تعكس واقع الحال مالياً. فأغلب الأرباح المالية للتحالف لا تأت من رينو بل من نيسان وكان ذلك سبباُ فى غضب مكتوم بين مسئولي نيسان الذين شعروا بأن الواقع الحالي للتحالف لا يعكس الواقع على الأرض.
إطاحة نيسان بغصن وإبلاغ السلطات اليابانية عنه بدا وكأنه إنقلاب داخلي ضد رئيس الشركة يهدف للإطاحة به والدلائل على ذلك عديدة. فنيسان قالت أنها أقدمت على خطوة الإبلاغ عن غصن بعد تحقيق داخلي وأخذ رأي الخبراء فى الأمر. والواقع أن أخذ مشورة الخبراء القانونيين فى الأمر يكون دائماً الهدف منه تجنيب تعرض رئيس الشركة للمسائلة أمام السلطات، وليس إدانته.
خذ مثلاً على ذلك ما حدث فى شركة تاكاتا اليابانية التى أشهرت إفلاسها بعد أن أنتجت ملايين الوسائد الهوائية المعيبة فى أحد أشهر فضائح صناعة السيارات خلال العقود الماضية ومع ذلك لم تتم محاكمة مسئول واحد فى الشركة أو حتى توجيه الإتهامات له. وحتى توشيبا اليابانية أضطرت لإعادة حساب أرباحها بعد أن قامت بتضخيم قيمة تلك الأرباح على مدار ست سنوات دون أن تتم محاسبة رئيسها أو توجيه الإتهامات إليه.
أما شركات نيسان وميتسوبيشي وياماها وسوبارو ومازدا وسوزوكي، فقد قامت جميعها بالإعلان عن أرقام غير دقيقة لنسب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فى عودام سياراتها ولم تتم الإطاحة بمسئولين كبار فى تلك الشركات بنفس الشكل الذى حدث مع كارلوس غصن.
وأخيراً، لم يكن باستطاعة غصن أن يرتكب كل تلك الأنتهاكات بمفرده، بل المؤكد أن كل ذلك تم بمساعدة مسئولين كبار أخرين بالشركة، ولكننا لم نر مسؤولين أخرين يتم توجيه الاتهام إليهم بالضلوع فى تلك المخالفات.
فتح القبض على غصن الباب على مصراعيه أمام احتمالات عديدة لمستقبل تحالف رينو ونيسان وميتسوبيشي وهو ما يحتاج إلى شرح مطول لا يتسع المجال لذكره.