لا حديث للناس خلال الفترة الأخيرة سوى حملات مقاطعة السيارات والمطالبات بالسعر العادل من وجهة نظر تلك الحملات. وقد يكون الضغط مؤثراً بشكل تكتيكي اي لبعض الوقت، ولكي كي يتاح للمصريين سيارة جيدة وبسعر معقول، فلا سبيل لتحقيق ذلك سوى التجميع المحلي مبدئياً، والتصنيع فى مراحل قادمة.
كان الإعلان الأخير عن عودة مرسيدس – بنز للتجميع فى مصر بالتعاون مع شريك محلي بعد فترة أنقطاع ليست بالكبيرة شيئاً رائعاً، وأملي أن نبني على الزخم الذى أحدثه هذا الإعلان من خلال التعاون مع شركة عالمية لإنتاج سيارة ذات سعر معقول وبحجم إنتاج ضخم يخصص جانب كبير منه للسوق المحلي والأخر للتصدير، فلا وسيلة كي تنخفض الأسعار سوى من خلال رفع سقف المنافسة من خلال هذا الطريق.
وأتمنى أن تقدم الدولة فى سبيل تحقيق ذلك كل التسهيلات الممكنة لتقوم شركة بإنتاج لا يقل بأي حال من الأحوال عن 200 ألف سيارة سنوياً من طرازات متنوعة تناسب شرائح مختلفة من المصريين بدايةً من سيارة صغيرة وأخرى مدمجة وثالثة متوسطة علاوة على مركبة كروس أوفر أو SUV. كما أتمنى أن يكون هذا الشريك المحلي هو شركة النصر لصناعة السيارات والتى كانت على وشك الاتفاق مع شركة صينية خلال العام الماضي لإعادة تشغيلها، فلماذا مثلاً لا تتفق النصر للسيارات مع شركة أمريكية كفورد العالمية التى تمتلك مجموعة كبيرة من الموديلات الأوروبية والأمريكية التى يمكن الاختيار من بينها لما يناسب السوق المصري من حيث السعر، فلديهم على سبيل المثال موديلات كا وفيستا و ايكوسبورت كما أن لديهم رينجر بيك أب. وسبب أختيار تلك الموديلات على وجه التحديد هو أنها الأنسب من حيث الحجم لذوق المستهلك المصري. وفي حالة ما إذا كان سعر تلك السيارات مناسباً فإنها سترفع من حجم مبيعات السوق فضلاُ عن كونها ستجبر الآخرين على التجميع المحلي كوسيلة لخفض الأسعار.
وأخيراً، أسوق مثالاً من الماضي على ذلك. ففي أوائل العشرينيات قررت جنرال موتورز أفتتاح مركز إقليمي لها فى الإسكندرية، وبالفعل تأسست شركة جنرال موتورز الشرق الأدنى، فما كان من غريمتها التقليدية فورد سوى القدوم إلى مصر وإنشاء شركة فورد مصر كشركة مساهمة مصرية، وقبلها افتتحت شركة فيات فرعاً لها يحمل إسم فيات أورينت فى الإسكندرية أيضاً، وكانت تلك الشركات جميعها مراكز أقليمية للشركات الأم تتولى مسئولية مبيعات الشركة وعمليات التجميع الخاصة بها فى منطقة جغرافية شاسعة.
لم أقصد الحديث عن فورد على وجه التخصيص، لأن نفس الشئ يمكن أن ينطبق على علامات أخرى عريقة وتتمتع بشعبية كبيرة بين المصريين. وخوض شركة كبرى لمشروع تجميع ضخم فى مصر من شأنه أن يعزز من الصناعات المغذية للسيارات فى السوق وهو ما يمكن أن يؤدي إلى زيادة نسبة المكون المحلي، كما أن نجاح المشروع قد يفتح شهية تلك الشركة الكبيرة على توسيع نشاطها فى مصر من خلال زيادة نسبة المكون المحلي بإقامة مصنع للمحركات مثلاً ومناطق لوجيستية فى منطقة قناة السويس. وبالتأكيد يحتاج هذا الإنتاج الضخم إلى دعم حكومي للتصدير إلى مجموعات ترتبط معها مصر بأتفاقات تجارية مثل الكوميسا والإيجاد. ولو تحقق ذلك لصارت مصر مركزاً مهماً لتلك الشركة بغض النظر عن أسمها، فمصر ليست أقل من دول إقليمية صارت اليوم مراكز هامة لصناعة السيارات في الوقت الذى نكتفي فيه نحن بأرقام تجميع متواضعة لم تتجاوز 100 ألف سيارة تقريباً من مصانع عديدة، بينما يتجاوز إنتاج مصنع واحد فى تلك الدول الإقليمية هذا الرقم بكثير.
تقول القاعدة أنه كلما زاد الإنتاج أنخفضت التكلفة وبالتالي قل السعر النهائي، ولهذا فلا سبيل سوى تشجيع شركة كبرى على التجميع المحلي لخفض الأسعار وخلق جو من المنافسة من شأنها تحويل مصر فى غضون سنوات قليلة إلى مركز هام صناعة السيارات فى المنطقة.