على الأراضي الإيطالية لن تجد سيارة محبوبة أكثر من ألفا روميو، بطرازاتها المختلفة التي تشبه صانعيها الإيطاليين كثيرًا، حيث تمتلئ بالحيوية وروح التفاؤل بالحياة.. أكثر من مائة عام مرت من عمرها، ولم تفقدها تلك الأعوام الطويلة شبابها وتألقها، واليوم سنخوض غمار بحار الزمن عائدين إلى سنوات عمرها الأولى، لنستعرض تاريخها منذ كانت فكرة إلى أن أصبحت تلك العلامة التجارية التي تمثل الشعب الإيطالي كله..
بداية فرنسية
قد تتعجب عزيزي القارئ عندما تعرف أن البداية لم تكن في إيطاليا، ففي عام 1906 أنشأ رجل الأعمال ألكسندر داراك Alexandre Darracq شركة في فرنسا لصناعة السيارات تحت اسم "سوسيتا أونينوما إيطاليانا داراك Societa Anonima Italiana Darracq"، بمساعدة من بعض المستثمرين الإيطاليين، وكان من بينهم من يدعى أوجو ستيلا Ugo Stella، الذي أصبح مع الوقت رئيس مجلس إدارتها، واتخذ قراره بالانتقال بها إلى ميلانو في إيطاليا عام 1909، لينشئ من رحمها بعد عام واحد من الانتقال شركة جديدة إيطالية خالصة، بالمشاركة مع بعض رجال الأعمال المحليين تحت اسم "أنونيما لومباردا فابريكا أوتوموبيلي Anonima Lombarda Fabbrica Automobili"، وترجمته هي "شركة لومباردا العامة لصناعة السيارات"، التي كان اختصارها "ألفا ALFA".
نيكولا روميو
تولى نيكولا روميو Nicola Romeo عام 1915 إدارة الشركة، وخلال ثلاث سنوات فقط أصبح يمتلك كل أسهمها منفردًا، ومنذ توليه مسؤولية الإدارة -الذي تزامن مع نشوب الحرب العالمية الأولى في أوروبا- أدخل تغييرات كبيرة على خطوط الإنتاج، لتتفق مع زيادة الطلب على السيارات العسكرية التي كانت إيطاليا في حاجة إليها في غمار خوضها للحرب، كما بدأ في المشاركة في سباقات السيارات، ليحقق بالطراز الأول للشركة -الذي أُنتج عام 1910 بنماذج تندفع بقوة أربعة وعشرين حصانًا- الفوز بالمركز الأول في منافسات سيسيليان تارجا فلوريو Sicilian Targa Florio"، ومع ظهور الطراز الجديد "طوربيدو Torpedo" عام 1920، الذي كان مزودًا بمحرك ينتج قوة قدرها 30 حصانًا، قرر نيكولا أن يدمج اسمه مع اسم الشركة، ليصبح منذ ذلك التاريخ "ألفا روميو".
إجراءات حكومية
قررت الحكومة الإيطالية عن طريق بنك إيطاليا الوطني عام 1921 توجيه دعمها لصناعات معينة دون غيرها، وذلك بتكوين ائتلاف صناعي كبير ضم بالضرورة ألفا روميو، ومن خلال هذا الائتلاف أوكلت إلى الشركة عمليات متعلقة بإنشاء السكك الحديدية، إلا أنه في عام 1925 تم سحب تنفيذ تلك العمليات من ألفا روميو، وبعد ثلاث سنوات من الخسائر وسيطرة الدولة على الشركة من قبل الحكومة الفاشية لموسوليني -حاكم إيطاليا في ذلك الوقت، غادرها نيكولا روميو عام 1928..
وبعد قرارات تنظيم الملكية التي صدرت عام 1933 في إيطاليا، أصبحت ألفا روميو تابعة للحكومة رسميًا، لتتجرع مع بقية الشعب الإيطالي مرارات وويلات الحرب العالمية الثانية وهزائمها، وتصاب مصانعها بالقصف عدة مرات، مما يعطل العمل فيها تمامًا لفترات طويلة أثناء الحرب.
ما بعد الحرب
استُئنفت الحياة بعد إشراق شمس السلام على أوروبا، ودبت الحيوية في أوصال القارة العجوز، ومَنْ أكثر حيوية من الإيطاليين؟ فأعيد بناء المصانع والطرقات، واستُئنفت سباقات الجائزة الكبرى، لتحقق ألفا روميو الفوز في أول سباقات الفورميولا1 للسيارات ذات المقعد الواحد عام 1950، بطرازها "تيبو 158 ألفيتتا Tipo 158 Alfetta" الذي كان يقوده جوزيببي فارينا Giuseppe Farina"، وليحقق نفس الطراز الفوز مرة أخرى في العام الذي يليه، لكن بقيادة "خوان مانويل فانجيو Juan Manuel Fangio".
مشروع سيارات الشرطة
في عام 1960 أنتجت ألفا روميو طرازها المسمى "جوليا سوبر Giulia Super"، التي صُممت خصيصًا لتعمل مع الشرطة الإيطالية في مكافحة الجريمة، حيث كانت مزودة بمحرك سعة 1.6 لتر وينتج قوة قدرها 110 أحصنة، هذا بالإضافة إلى لونها الأخضر المميز لسيارات الشرطة في ذلك الوقت، أما من الداخل فلقد أضافت الشركة بجوار عداد السرعة عدادين آخرين، الأول لقياس عدد لفات الموتور والآخر لقياس عيار الوقود والزيت ودرجة الحرارة، وهو ما تم تعميمه بعد ذلك في أغلب السيارات، كما أطلقت الشرطة الإيطالية على هذا الطراز اسم "النمر Panther".
ألفا روميو عبر المحيط
في منتصف عام 1961 ، وبناءً على طلب من مستورد السيارات الأشهر في الولايات المتحدة ماكس هوفمان Max Hoffman قامت الشركة بأولى عمليات التصدير لبلاد العم سام، وكان اختيار هوفمان قد وقع على تصميم يناسب طبيعة الشعب الأمريكي، وهو الطراز جوليتتا سبايدر Giulietta Spider، الذي تزود بمحرك سعته اللترية 1.3 لتر كان قادرًا على أن ينتج قوة قدرها 100 حصان، لدفع السيارة إلى سرعتها القصوى التي بلغت 193 كم/س، واتصل بناقل حركة يدوي ذي أربع سرعات.
عشرة عقود مع ألفا روميو
خلال ما يزيد عن عشرة عقود، قامت ألفا روميو بإنتاج العديد من طرازات السيارات، لكن بعضها كان مميزًا كأنه يكتب تاريخها.. فمع بداية عقدها الأول أنتجت الطراز المسمى بألفا روميو 24 حصانًا، الذي كان يعمل بمحرك سعة 4 لتر وينتج قوة قدرها 24 حصانًا، ويتصل بناقل حركة ذي أربع سرعات، وقد تم تطويره بعد ذلك ليصل إلى أن ينتج قوة قدرها 60 حصانًا..
وفي منتصف العشرينيات من القرن الماضي ظهر الطراز "ألفا روميو تارجا فلوريو آر إل RL Targa Florio"، الذي كان مزودًا بمحرك سعته 3.6 لتر وقادرًا على إنتاج 125 حصانًا، واتصل بناقل حركة ذي أربع سرعات.. أما مع بداية العقد الثالث فلقد ظهر الطراز "6 سي جران سبورت 6C Gran Sport"، الذي جاء مع محرك سعته اللترية 1.7 لتر كان قادرًا على توليد طاقة قدرها 85 حصانًا، وكان الطراز ألفا روميو "6 سي 2500 فيلا دي إيست 6C 2500 Villa d'Este" هو الطراز الوحيد الجديد في فترة الأربعينيات حيث أحداث الحرب العالمية الثانية، وكان مزودًا بمحرك سعة 2.5 لتر، وقادرًا على إنتاج 110 أحصنة..
أما في الخمسينيات والستينيات فلقد ساد الطراز "ألفا روميو جوليتتا Alfa Romeo Giulietta"، الذي احتوى على إصدارات متنوعة كالصالون والكوبيه، كما جاء في نسخته القياسية بمحرك سعته اللترية 1.3 لتر، ينتج طاقة قدرها 100 حصان.. ومع بداية السبعينيات حيث سيطر الشباب على الحياة، ظهر الطراز الرياضي "مونتريال Montreal"، ذو محرك سعته اللترية 2.6 لتر، وناقل حركة ذو ست سرعات وانطلاق بطاقة قدرها 197 حصانًا، وفي الثمانينيات كان الظهور الأول للطراز الشهير "ألفا روميو 33"، وهو عبارة عن سيارة عائلية متوسطة الحجم ذات محرك سعته اللترية 1.5 لتر، قادر على إنتاج طاقة قدرها 103 أحصنة..
وفي عام 1993 كان لظهور الطراز "ألفا روميو سبايدر Alfa Romeo Spider" وقع مدو؛ حيث احتوى على فكر جديد من حيث التصميم،كما احتوى على محرك سعته اللترية 3.2 لتر ينتج قوة قدرها 240 حصانًا، واتصل بناقل حركة يدوي ذي ست سرعات.. وبعد عدة سنوات من بداية القرن الحادي والعشرين ظهر الطراز "ألفا روميو بريرا AlfaRomeo Brera"، الذي خرج من عباءة طراز سبايدر التصميمية، غير إنه أقرب بالطبع لروح القرن الجديد، وتحمل نسخته القياسية تحت الغطاء محركًا سعته 3.2 لتر ينتج طاقة قدرها 260 حصانًا.
شعار مثير للجدل
من الغريب بعد كل هذه السنوات والإصدارات التي أهدتها ألفا روميو للعالم، أن يكون الشيء الأكثر إثارة للجدل هو شعارها الذي يتكون من دائرتين كُتب على حافتهما اسم ألفا روميو، وقُسمت الدائرة الصغيرة إلى نصفين، الأيسر رُسم عليه علم مدينة ميلانو الذي يتكون من صليب أحمر على خلفية بيضاء، أما القسم الأيمن –وهو الأكثر إثارة للجدل– فقد رُسم عليه التاج الملكي وثعبان أخضر اللون يلتهم شخصًا على خلفية زرقاء..
لقد استوحى "أوجو ستيلا" هذا الشعار من علم مدينة ميلانو عندما رآه يرفرف في إحدى محطات القطار، غير أن ما أضافه للشعار من صورة للثعبان والتهامه لشخص ما ظلت دون تفسير، وعلى الرغم من تمسك الشركة بشعارها طوال هذه السنوات، وإصرارها على عدم اللجوء إلى تغييره، إلا أنها لم تستطع تقديم تفسير محدد لفكرته.
ألفا روميو الآن
المالك الحالي لشركة ألفا روميو هي مجموعة فيات كرايسلر للسيارات، والشركة اليوم تنتج السيارات، الشاحنات، المركبات التجارية الخفيفة، قاطرات السكك الحديدية، الترام، الجرارات، الحافلات، والمولدات، كما إنها تعتبر من أهم الشركات العالمية التي تنتج محركات الطائرات..
إن قصة نجاح خلال قرن من الزمان أو يزيد قليلاً هي ما يميز العلامة التجارية ألفا روميو أينما وجدت، غير إنها فوق كل هذه النجاحات ما زالت مثلها مثل كل الإيطاليين، تمنح كل من يتعامل معها الحيوية المطلوبة كي يحب الحياة.