Miniليس اسمها فقط، لكنه كذلك صفة مميزة لها.. الصغيرة الأنيقة، التي تقف بذكاء على الخطوط الفاصلة بين الطفولة والشباب، مع لمحة من الرزانة، فتمتلك قلوب الباحثين عن سيارة عصرية فخمة، لكنها تعكس بخطوطها شيئًا من طفولة محببة ما زالت قابعة بأعماقهم.
الميلاد
ظهرت الحاجة إلى ميني في ظروف بالغة الصعوبة بالنسية لبريطانيا إثر عدوانها على مصر، بعد تأميم الرئيس المصري جمال عبد الناصر لقناة السويس، وإصدار السلطات المصرية لقرار يمنع ناقلات النفط من العبور في القناة، وهو ما أدى إلى أزمة في وصوله إلى بريطانيا، فكان من الضروري البحث عن حل عملي، يقلل من استهلاك السيارات للوقود.
وهنا برزت فكرة تصميم ميني في رأس السيد Alex Issigonis، كسيارة صغيرة وخفيفة الوزن، ثم تم تنفيذها بواسطة شركة المحركات البريطانية British Motor Corporation، لتطل على بريطانيا عام 1959 بطراز مارك 1 ببابين، ومحرك رباعي الأسطوانات، وكانت قادرة على حمل أربعة أشخاص بالغين، وفوق كل ذلك تتميز بوزن خفيف بلغ 615 كيلو جرامًا، مما يجعلها اقتصادية في استهلاك الوقود، تحتاج فقط إلى 3 لترات لكل 64 كيلو مترًا، وكأنها المنقذ المخلص، الذي سيعين بريطانيا على مواجهة أزمتها البترولية.
وكما هو متوقع، حازت الصغيرة على إعجاب ورضا الكثيرين، خاصةً مع سرعتها التي بلغت وقتها 216 كم/س، وسعرها البالغ 496 جنيهًا استرلينيًا، والذي ناسب الجميع، بدءًا من مشاهير المجتمع، وحتى أبناء الطبقة العاملة، والأهم من كل ذلك كونها تجمع بين الشكل الكلاسيكي البريطاني، والبساطة والمرح.. في نفس الوقت.
ومنذ ذلك الوقت، وميني تعد الأيقونة الأشهر للستينيات، ولا ينافسها في ذلك سوى الألمانية بيتل، أيقونة فولكس فاجن، حتى إنها –ميني– قد حازت عام 1999 لقب ثاني أكثر السيارات تأثيرًا في القرن العشرين، بعد طراز T الشهير من فورد (الذي كان السبب في انتشار السيارات بين عامة الشعب لرخص ثمنه بسبب فكرة سير أو خط الإنتاج).
الستينيات الحافلة
كانت فترة الستينيات فترة حافلة بالإنجازات لمحبوبة البريطانيين، فقد شهد عام 1961 تدشينها كمتسابقة مجتهدة، على يد أسطورة السباقات البريطاني جون كوبر، الذي أُضيف اسمه إلى اسمها، فأصبح اسمها فيما بعد "ميني كوبر"، وتم تحديثها، لتتمتع بمحرك أكثر قوة، وفرامل أكبر، وقُدمت تحت اسم ميني كوبر 997. وفي الفترة من 1964 إلى 1967 فازت ببطولة رالي مونت كارلو 4 مرات. ورغم صدورها في البداية تحت اسم Austin مرة، واسم Morris مرةً أخرى، وهما شركتان بريطانيتان مندمجتان منذ الخمسينيات تحت راية شركة المحركات البريطانية، إلا أنها صدرت رسميًا باسم Mini عام 1969، وأصبحت لها شخصيتها المستقلة، وفي نفس العام بلغ عدد الوحدات المباعة منها أكثر من 2 مليون وحدة حول العالم.
حركة تنقلات
تنقلت ميني بين عدة مالكين، فقد بدأت عام 1959 تحت وصاية "شركة المحركات البريطانية:، التي أصبحت عام 1966 جزءًا من "الشركة القابضة للمحركات البريطانية"، ثم اندمجت تلك الأخيرة عام 1968 مع Leyland Motors، لتشكلا سويًا British Leyland، والتي حملت اسم مجموعة روفر ابتداءً من عام 1986.
وفي ثمانينيات القرن العشرين، وتحديدًا عام 1988، تم بيع مجموعة روفر –التي تتضمن ميني– لشركة British Aerospace.
العملاق الألماني يخترق المشهد
بحلول عام 1994، ظهر على المشهد البريطاني العملاق الألماني BMW، حيث قرر الاستحواذ على مجموعة روفر Rover Group، التي تملك ميني، بالإضافة إلى غيرها من العلامات التجارية.. وكانت BMWقد توقعت أن يمنحها ذلك المزيد من الازدهار والمبيعات، غير أن تلك التوقعات قد خابت، وهو ما دفعها لبيع مجموعة روفر عام 2000، واحتفظت بالصغيرة ميني حتى اليوم، وحرصت منذ اللحظة الأولى على عدم إجراء أي تغيير يمس شخصيتها البريطانية العريقة.
وفي عام 1998 قررت BMW تصميم طراز جديد من ميني، واختارت تصميمًا مميزًا لـ Frank Stephenson، وقع عليه الاختيار من بين 15 تصميمًا تم تقديمهم، ليخرج الطراز الشهير Mini One R50.
جوائز وألقاب
لم تكتف ميني بكونها محبوبة أينما حلت، حتى في السوق الأمريكية، التي أصبحت في 2012 أكبر سوق لها، بمبيعات بلغت 66.123 سيارة، بل حصدت عبر تاريخها الكثير من الألقاب والجوائز، منها على سبيل المثال: لقب "سيارة القرن" في مسابقة مجلة Autocar عام 1995، لقب "السيارة الكلاسيكية الأولى لكل العصور" في مسابقة مجلة Classic & Sports Car عام 1996، "سيارة القرن الأوروبية" في استطلاع عالمي للرأي أجرته مؤسسة Global Automotive Elections Foundation عبر الإنترنت عام 1999.
وفي عام 2003 فازت ميني كوبر S بجائزة "سيارة العام في أمريكا الشمالية" خلال معرض أمريكا الشمالية الدولي للسيارات، ومنح موقع Top Gear الشهير لنفس الطراز عام 2006 لقب "سيارة العام".
مستقبل ميني
كيف ستكون السيارة البريطانية، التي احتفظت بنكهتها الملكية، حتى وهي تنتقل لأيد ألمانية، بعد خمسين عامًا مثلاً؟ هذا هو السؤال الذي تشغل إجابته محبيها، الذين يثقون في قدرة BMW على تطويرها، دون أن تسلبها شيئًا من صفاتها المرحة، الطفولية، العصرية.. الرزينة.