جميلٌ أن نعلم أن تويوتا كانت في السابق تصنع ماكينات نسيج للقماش، وأن زميلتها الألمانية أوبل كانت تصنع ماكينات الخياطة التي تحيك هذا القماش.. والأجمل أن يظل كلاهما زميلًا للآخر في مهنته الجديدة، عفوًا القديمة نوعًا ما، فنحن نتحدث عن مائة عام تقريبًا..
تعود الحكاية إلى شاب طموح نشأ في كنف أسرة ألمانية بسيطة قرر أن يسافر ليتعلم كل شيء عن تصنيع ماكينة الخياطة؛ لأنها كانت اختراعًا حديثًا في منتصف القرن التاسع عشر، ثم عاد إلى وطنه ليؤسس مشروعه الخاص عام 1862.
تغيير الدفة
اجتهد الشاب "آدم أوبل" في مشروعه وحقق نجاحًا كبيرًا، فانتقل من ورشته البسيطة التي كانت تُستخدم كحظيرة مواش في السابق، إلى مبنى أكبر داخل مدينة "روزلسهايم- Rüsselsheim"، ثم قرر استثمار هذا النجاح بالدخول في مجال جديد عام 1866 وهو بيع الدراجات، وشارك ابناه في سباقات بواسطة هذه الدراجات لتشجيع شرائها، حيث كانت تتكون من عجلة عملاقة يستقر فوقها مقعد صغير، وخلفها عجلة أخرى صغيرة الحجم، وكان ذلك قبل اختراع العجلات الأكثر أمانًا التي نعرفها حاليًا.. ومن جديد برع "آدم" في مشروعه، حتى كانت وفاته عام 1895 وقد صنع اسمًا قويًا لا يُستهان به سواء في الدراجات والماكينات.
سيارة الطبيب
بعد وفاة "آدم" ابن عائلات "أوبل" J، قرر ابناه دخول عالم السيارات، فكانت الشراكة مع "Friedrich Lutzmann" الذي كان يقوم أحيانًا بوضع تصاميم سيارات، وتم إطلاق أول سياراتهم عام 1899، غير أنها لم تلقَ نجاحًا فتم إنهاء هذه الشراكة بعد عامين، وتبع ذلك مباشرةً توقيع اتفاقية مع الشركة الفرنسية الناشئة "Automobiles Darracq S.A" في 1901 من أجل تصنيع السيارات تحت اسم ""أوبل داراك- Opel Darracq" وظهرت أولى سياراتهم عام 1902 في معرض "هامبورج" بألمانيا، ثم بدأ الإنتاج عام 1906 ليكون جسم السيارة من "أوبل" وهيكلها من داراك، إلا أن الإنتاج توقف في العام التالي.
في 1909 قدمت الشركة سيارتها التي عُرفت باسم "Doctorwagen" والتي تعني باللغة العربية "سيارة الطبيب"، ونالت شهرة واسعة بسبب براعتها في السير خلال الطرق غير الممهدة حينها، فضلًا عن سعرها الذي كان نصف سعر أية سيارة من الطرازات الفاخرة ذلك الوقت.
تعرض المصنع للتدمير في 1911 فتم بناء مصنع آخر بآلات أحدث، وبحلول عام 1914 أصبحت "أوبل" أكبر صانع للسيارات في ألمانيا، وازدادت حصتها تدريجيًا في السوق حتى بلغت 37.5% وأصبحت أكبر مُصدر للسيارات في عام 1928، لتستمر في انطلاقاتها بلا توقف.
1937: الصانع الأكبر في أوربا
لم يمر نجاح "أوبل" بشكل عابر من أمام صائدة السيارات الثمينة "جنرال موتورز GM" الأمريكية التي انبهرت بآلات التصنيع الحديثة، فقررت شراء 80% من أسهم الشركة في 1929، ثم رفعت النسبة في العام التالي لتصبح 100%، وربحت عائلة "أوبل" في تلك الصفقة ما يزيد عن 33 مليون دولار –ما يعادل أكثر من 12 مليون دينار- ولاحقًا تم بناء مصنع ثان في "Brandenburg" لإنتاج الشاحنات الخفيفة "Blitz"، وأدى اندماج خبرة "أوبل" مع موارد جنرال موتورز إلى تحقيق نتائج مذهلة.. ففي عام 1935 أصبحت "أوبل" أول صانعة سيارات في ألمانيا يتجاوز إنتاجها السنوي 100 ألف سيارة، وارتفعت هذه الأرقام كالصاروخ لتتجاوز 130 ألف وحدة في 1937، وأصبح مصنعها في "روزلسهايم" على رأس مصانع إنتاج السيارات في أوروبا، وفي المركز السابع عالميًا.
الحرب العالمية الثانية
رغم سخونة الأجواء مطلع الأربعينيات بين أطراف الحرب العالمية الثانية، إلا أن "أوبل" بقيت على اتصال بالولايات المتحدة.. ولم تلجأ الحكومة الألمانية إلى مصانع "أوبل" في البداية لتجنيدها في خدمة الحرب وتحويل نشاطها، فاكتفت بوقف تصنيع السيارات لترشيد استهلاك الموارد، لكن بحلول عام 1942 وفي ذروة اشتعال الحرب العالمية الثانية، تحول إنتاج المصانع لإنتاج أجزاء الطائرات والدبابات، ثم تطور الأمر إلى محركات مُطورة وسيارات معدلة وغير ذلك، ولما انتبه أعداء ألمانيا إلى خطورة الدور الذي تقوم به مصانع "أوبل" بدأت تتعرض للهجوم الجوي في 1944، وكانت الخسائر فادحة بلغت 47% من مباني "روزلسهايم" .. أما مصنع الشاحنات الموجود في "Brandenburg" في الشرق من ألمانيا، فقد وقع تحت القبضة الروسية، وتم تفكيك كافة المعدات والآلات وشحنها إلى موقع قريب من جبال الأورال.
بعد انتهاء الحرب وسقوط المصانع تحت قبضة روسيا، نجحت مساعي GM لاسترداد مصانعها أخيرًا في 1945 وبدأت عمليات البناء من جديد للنهوض من وسط الحطام.. وبحلول يناير عام 1946 كان أحد مصانع "أوبل" على استعداد لإنتاج الشاحنات من جديد، واحتفلت الشركة بإنتاج أول شاحنة بعد الحرب وهي "Biltz" وذلك في شهر يوليو من نفس العام.. ورغم كل العقبات التي خلفتها الحرب إلا أنها بدأت تتعافى تدريجيًا، وكانت الخطوة الثانية هي استئناف إنتاج سيارات الطرق العادية، فكانت "Kapitän" هي أولى سياراتها العائدة نظرًا لتوافر محركها الذي استخدمته في الشاحنات..
"أوبل" اليوم
كانت فترة الأربعينيات هي المرحلة الوحيدة في تاريخ "أوبل" التي شهدت تراجعًا، إلا أنها نجحت في النهوض من وسط الحطام رغم كل شيء، وواصلت الانطلاق في الصدارة طوال السنوات اللاحقة، وعندما حدثت الأزمة المالية العالمية في 2008 وافقت جنرال موتورز على بيع 55% من أسهم "أوبل" للشركة اللذيذة "Manga" J، إلا أن هذا الاتفاق لم يتم.. واليوم تنتج الشركة 12 طرازًا من السيارات، وتنتشر في أكثر من 50 دولة، إلى جانب تصنيع المحركات وبعض أجزاء السيارات، ولديها أربعة مراكز تطوير واختبار في سبع دول، ويصل عدد موظفيها إلى 35 ألف موظف في أوروبا وحدها.
تاريخ الشعار
كان شعار "أوبل" في بداية تأسيسها كمصنع لماكينات الخياطة يتكون من الحرفين الأولَيْن لاسم المؤسس "آدم أوبل"، وكان حرف A من البرونز بينما كان حرف Oباللون الأحمر، وعندما بدأ إنتاج الدراجات تغير شكل الشعار واحتوى على كلمتَيْ "Victoria Blitz" وكان هذا أول ظهور للـ"برق" في الشعار ككلمة وليس كرمز، حيث تعني كلمة "Blitz" "البرق" في اللغة العربية.
في 1909 تغير تصميم الشعار مرةً أخرى ليحتوى على حروف اسم الشركة فقط، وفي العام التالي أصبح الشعار على شكل عين محاطة بأكاليل الغار واسم "Opel" في المنتصف.
بدءًا من منتصف الثلاثينيات وحتى فترة الستينيات أصبحت سيارات "أوبل" تحمل شعارًا يتكون من حلقة يقطعها جسم طائر باتجاه اليسار، وكان البعض يرى هذا الجسم الطائر شبيهًا بالمنطاد أو السهم أو الطائرة.. واستخدمت الشركة أحيانًا شعار النبالة الذي يبدو كدرع الفرسان في القرون الوسطى- في بعض سياراتها، وكان يمزج بين اللونين الأبيض والأصفر.
أما شعار "أوبل" الذي نعرفه اليوم فقد مر بعدة مراحل بدأت في فترة الخمسينيات عندما كان يتكون من شريحتين مستطيلتين تم وضعهما بشكل مائل، واحتوت إحداهما على اسم "Opel" والأخرى "Blitz"، وتحول بعدها إلى شكل أقرب إلى حرف Z .
بنهاية فترة الستينيات قامت الشركة بدمج شعارها القديم مع الحديث، واحتل البرق مكان الشكل الطائر داخل الحلقة، فكان هذا الشعار أكثر بساطةً وتأثيرًا في نفس الوقت، لذلك ظل هو الأساس حتى يومنا هذا، مع إضافة بعض التعديلات أحيانًا، مثل مستطيل أسفل الحلقة يحمل اسم "أوبل" وتم الاستغناء عنه لاحقًا، ومؤخرًا في 2009 أضافت الشركة حروف الاسم أعلى الحلقة الأساسية في الشعار.
.. ..
عندما تتأمل مسيرة الشركة ستجد أنها تشبه إلى حد كبير الشعار الذي اتخذته لنفسها؛ فالبرق يخطف الأبصار بمجرد أن يومض في السماء، وكذلك كانت هي بظهورها الأول، مبهرة ولافتة للأنظار وتترك تأثيرها عالقًا في الأذهان،.. فهل علقت أوبل في ذهنك أنت أيضًا الآن؟