من منا لا يعرف كورولا؟ أو من منا لم يستقل يومًا ما كورولا؟ بل يمكننا أن نقوم بتعديل السؤال ليصبح أقل خيالاً ونقول: من منا لا يعشق كورولا؟ بلا أي شك نحن واثقون من أن إجابة هذه الأسئلة جميعًا ستكون واحدة، إنها جملة من كلمتين: "لا أحد"؛ فكورولا في عالم السيارات كالماء والهواء والشجر والمطر في الحياة، مظهر أساسي من مظاهر طبيعة هذا العالم الصناعي الضخم، بل ربما هي الأهم بين كل المظاهر الأخرى، ولهذا السبب بالذات، ولأن هذه السيارة الأكثر مبيعًا في العالم على مر تاريخ السيارات الطويل، ولأنها تبلغ هذا العام عامها الخمسين، فقد جئنا لنحتفل باليوبيل الذهبي لواحدة من أهم أفراد عائلة يابانية عريقة، هي عائلة تويوتا..
صراع على القمة
نصف قرن من الزمان تزينت أعوامه بأحد عشر جيلاً تحمل جميعها اسم "كورولا"، ذاك الاسم المشتق من اللغة اللاتينية ويعني "التاج"، والذي تحول إلى وصف صادق بعد أن أصبحت هي تاج السيارات في العالم، وعن ذلك لدينا قصة صغيرة، فلقب "أكثر السيارات مبيعًا في العالم" هو اللقب الأهم بين صانعي السيارات، وعلى مدار تاريخ هذه الصناعة لم تحصل عليه سوى ثلاثة طرازات فقط، كان أولها طراز "T" من إنتاج شركة فورد، وهو الطراز الذي ظل متربعًا على عرش المبيعات منذ عام 1915 خمسة وأربعين عامًا كاملة، ولم يستطع أي طراز آخر تحقيق ما حققه من مبيعات، قبل أن تظهر له خنفساء تطرحه أرضًا، هي "بيتل" من إنتاج فولكس فاجن، أول الطرازات التي كسرت أرقام مبيعات موديل تي وتخطتها بدايةً من عام 1972، عندما أعلنت فولكس فاجن أنها قامت ببيع السيارة 15007034 في تسلسل خط الإنتاج، لتصبح بهذا هي الأكثر مبيعًا في العالم، وعلى الرغم من محاولة فورد الناجحة للوصول إلى بيع أكثر من ست عشرة مليون نسخة من موديل تي لاستعادة اللقب، إلا أن بيتل كانت في ذات الوقت تقفز حاجز 21 مليون نسخة، لتحتفظ باللقب الآسر.. هذا الصراع الثنائي بأرقام المبيعات تلك بدا ضعيفًا جدًا مع نهاية حقبة التسعينيات من القرن العشرين، واقتراب قرن جديد ينبئ بتطور تقني وتكنولوجي هائل، واعتمادًا على ذلك التطور الصناعي الكبير كانت تويوتا تقدم للعالم نسختها رقم 40 مليون من الطراز كورولا، لتطيح بالأمريكيين والألمان، وتشرق شمس آسيا الدافئة على قمة مبيعات السيارات في العالم دون منازع، وحتى اليوم.
أجيال العجلات الخلفية
ظهر الجيل الأول من كورولا في شهر أكتوبر من عام 1966، طراز سُمي "E10" بتصميم بسط ذي سقف منحنٍ حتى مؤخرة السيارة، ومحرك سعته 1.1 لتر، ويعتمد على الدفع بالعجلات الخلفية، وقد وُضعت المرايا الجانبية في مقدمة السيارة، والمصابيح الأمامية دائرية كما كان حال أغلب الطرازات في هذا الوقت.. استمر إنتاج الجيل الأول حتى عام 1970 عندما تنحى ليفسح المجال للجيل الثاني، الذي حملت طرازاته اسم "E20"، وظهرت في الأسواق مع بداية شهر مايو عام 1970، لتقدم اختيارين من المحركات، الأول سعته 1.4 لتر والثاني سعته 1.6 لتر.. وعلى الرغم من توقف أغلب خطوط إنتاج هذا الجيل عام 1974، إلا أن بعض خطوط الإنتاج القليلة استمرت في إنتاجه حتى عام 1978، بمحازاة ما كانت تقوم الشركة بإنتاجه من كورولا تحت اسم الجيل الثالث، الذي بدأ إنتاجه في شهر إبريل عام 1974 بالطرازين "E30" و"E40"، واللذين تخلت تويوتا عن إنتاجهما في شهر مارس 1976، ليحل الطراز "E50" محل الأول، والطراز "E60" محل الثاني، مع تقديم اختيارات متعددة في التصميم؛ حيث قدمت من كل طراز نسخة صالون ذات أربعة أبواب وأخرى ذات بابين، وأيضًا نسخة عائلية ذات منصة طويلة أو ما يطلق عليها "ستيشن"، كما استخدمت الشركة اليابانية في تصميماتها مصدات بلاستيكية شديدة المقاومة، بدلاً من تلك التي كانت تستخدمها قي طرازاتها السابقة والتي كانت تُصنع في الغالب من الكروم المعرض للصدأ..
مع الجيل الرابع بدأت التصميمات تتخذ شكلاً حادًا بعض الشيء، كما لجأ المصممون للخطوط المنكسرة والأشكال المربعة بدلاً من الخطوط المنحنية والأشكال الدائرية، لذلك ظهر هذا الجيل في شهر مارس من عام 1979 بالطراز "E70"، الذي جاء بتصميم لمقدمة وسقف ومؤخرة جميعها مستقيمة تقريبًا، ومصابيح خلفية مستطيلة وأخرى أمامية عبارة عن دائرتين داخل مستطيل، أما فيما يخص المحرك فلقد قدمت الشركة خيارًا إضافيًا غير قياسي للعملاء هو حقن الوقود، ولقد استمر إنتاج هذا الجيل حتى ظهور الجيل الخامس في شهر مايو 1983، مع طرازه الجديد المسمى "E80"، وهو الطراز الذي قدّم كورولا وهي مزودة بمحرك سعته اللترية 1.8 لتر، كما إن هذا الجيل كان الأخير الذي يستخدم نظام الدفع بالعجلات الخلفية.
القوة للأمام
مع ظهور الجيل السادس من كورولا في شهر مايو عام 1987 انتقلت القوة إلى الأمام، حيث كان الطراز "E90" هو بداية مسيرة السيارة مع نُظُم الجر الأمامي، لكن على الرغم من أن أغلب نسخ هذا الطراز كانت تعتمد على نظام جر أمامي، إلا أن تويوتا قدمت أيضًا العديد من النسخ التي تعتمد على نظام الدفع بالعجلات الأربع "4WD"، كما قدمت هذا الجيل مع محرك سعته اللترية 1.3 لتر وينتج قوة قدرها 165 حصانًا..
كانت سيارة بتلك المواصفات تعتبر نقلة نوعية في سوق السيارات الصالون الصغيرة؛ حيث إنها كانت تقدم للمستهلك نظام جر ومحركًا يمنحان السيارة قوة كبيرة، مع سعة لترية اقتصادية في استهلاك الوقود، ولقد استمرت كورولا في تقديم طرازها من الجيل السادس حتى شهر يوليو من عام 1991، عندما ظهر الطراز "E100"..
كان ظهور هذا الطراز يعني الكثير بالنسبة لتصميم جسد كورولا، فلقد أصبحت السيارة أكبر وأطول وأثقل، كما تخلى المصممون عن نمط الخطوط الحادة والمستقيمة، ليتجهوا إلى أنماط من الخطوط المنحنية والدائرية.. نظرة واحدة على النوافذ الجانبية للسيارة أو على السقف أو حتى المؤخرة، ستُظهر دون حاجة إلى أي توضيح مدى الاختلاف في التصميم الذي طرأ على كورولا بدايةً من هذا الجيل.. لقد بدأ عصر المنحنيات على ما يبدو.
في شهر مايو عام 1995 كانت نهاية الجيل السابع، وبداية طرح الجيل الثامن في الأسواق في نفس الشهر من نفس العام، وقد بدا واضحًا تمامًا أن تويوتا تراجعت عن نمط تصميم كورولا كبيرة الحجم تلك، وعادت إلى التصميمات الصغيرة، غير إن ما كان مميزًا في الطراز الخاص بالجيل الجديد، والذي طُرح تحت اسم "E110"، كان في الحقيقة يقبع تحت الغطاء، إنه محرك كورولا الأول المصنوع من الألومنيوم، وهو ما أضاف لقلة حجم السيارة خفةً في الوزن أيضًا، وكانت تويوتا تهدف من ذلك إلى تفوق أكبر في المبيعات، وهو ما تحقق بالفعل قبل أن يغادرنا القرن العشرون ويغادرنا معه قطار الأجيال من كورولا متوجهًا إلى محطة الجيل التاسع.
في القرن الجديد
مع بداية القرن الحادي والعشرين، وتحديدًا في شهر أغسطس من عام 2000، ظهر الجيل التاسع من كورولا، وعادت تويوتا إلى مغازلة محبي الأحجام الأكبر نسبيًا من سيارات الصالون، كما تحولت خطوط التصميم لتصبح أكثر انسيابيةً بكثير من إصدارات الأجيال السابقة، واتبعت الشركة أسس التصميم الحديثة التي تقضي بارتفاع المؤخرة بشكل ملحوظ عن خط مقدمة السيارة؛ لزيادة السرعة والأمان في نفس الوقت.. ومع النجاح الكبير الذي حققته طرازات هذا الجيل التي أُنتجت تحت اسم "E120" و"E130"، استمرت تويوتا في إنتاجه حتى عام 2006، ليأتي بعده الجيل العاشر بطرازه "E140" الذي تميز بجسد أطول وأكثر انسيابية، ويمكننا أن نعتبر الجيل العاشر من كورولا مفصل التغير في تصميمها، والذي تستمر خطوطه حتى الآن.
منذ عام 2013 وحتى الآن ظهر الجيل الحادي عشر من كورولا بطرازاته "E150"، "E160" و"E170"، والطراز الأخير –وهو الأحدث- ظهر في شكل سيارة صالون ذات أربعة أبواب، مع خيارين لنظام الحركة، الأول بالجر الأمامي والآخر بالدفع بالعجلات الأربع، كما يقدم خيارات متعددة من السعة اللترية للمحركات مثل سعة 1.3، 1.6، 1.8 و2 لتر.
أين توجد؟
بالطبع نحن لا نسأل عن نسخها وطرازاتها، فالسؤال عن هذا درب من دروب المزاح، فكورولا موجودة أينما وُجدت أنت، أو أنا، أو أي شخص في أية مدينة حول العالم، أينما وقع نظرك على أحد الشوارع في إحدى المدن، في أي وقت صباحًا كان أو مساءً ستجد نسخةً منها، أينما تحل ضيفًا على مدينة في أي مطار في أية قارة من قارات العالم، غالبًا ما ستجدها في انتظارك وعليها شعار شركات النقل الشخصي والليموزين، أو حتى كلمة تاكسي المضيئة أعلاها، غير إن ما نسأل عنه هنا هو أين توجد مصانعها؟ أي: أين تُصنع كوولا حول العالم؟ فقط أحصِ معي، اليابان -بالطبع، ثم كندا، البرازيل، باكستان، الهند، الصين، جنوب أفريقيا، تايوان، تايلاند، فيتنام، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، تركيا، أستراليا، وأخيرًا فينزويلا، وكان هذا كافيًا ليغطي العالم ويمنحها اللقب.
---------
في الواقع، نجاح كورولا المذهل لم يكن أبدًا لمجرد أنها سيارة تتمتع بمواصفات جودة عالية، فكم من سيارات تحمل هذه المميزات، غير إن عبقريتها كانت دائمًا في القدرة الفائقة على دمج واقع حياة الناس مع أحلامهم؛ فهي تمنحهم دائمًا سيارة يمكنهم أن يطمحوا إليها، فيجدوا أنفسهم قادرين على امتلاكها بسهولة، أي أن مع كورولا دائمًا.. لا تنازلات.
تطور تويوتا كورولا عبر الزمن