ست نجمات تتلألأ كل يوم في سماء الليل ذات اللون الأزرق الداكن، السكان اليابانيون المحليون يسمونها "سوبارو"، وهو الاسم الذي يعني "الثريا"، غير أن هذه النجمات الست هبطت على الأرض في منتصف القرن العشرين، لتستقر على مئات الأشياء الموجودة على الأرض، متاجر، مبان، رايات، لافتات دعائية، ملابس، أكواب، وقبل كل ذلك، على العديد من طرازات السيارات.. إنه شعار شركة صناعة السيارات اليابانية "سوبارو"، التي تعتبر من أهم شركات صناعة السيارات في العالم، واليوم سنبحر مع تاريخها وحاضرها ومستقبلها في بحر اليابان الكبير، مهتدين بنجومها الست الكبيرة.
بداية قبل البداية
على الرغم من أن شركة سوبارو لصناعة السيارات ظهرت في منتصف القرن العشرين، إلا أنه يمكننا أن نعتبر أن بدايتها كانت قبل ذلك بحوالي ثلاثين سنة أو يزيد؛ ففي عام 1917 قام "شيكوهي ناكاجيما Chikuhei Nakajima" بإنشاء شركة تحت اسم "شركة ناكاجيما للطائرات المحدودة Nakajima Aircraft Company ltd"، والتي ضمت بعد ذلك شركة السيارات الشهيرة، لكن من هو ناكاجيما وما قصته؟
وُلد ناكاجيما في الأول من يناير عام 1884، في منطقة نيتا التابعة حاليًا لمدينة أوتا، كان والده مزارعًا لكنه كان ميسور الحال، فدفع ابنه للالتحاق بالمدرسة الإمبراطورية البحرية للهندسة، وتخرج عام 1903 ليعمل ملازمًا في البحرية اليابانية، وفي السابع والعشرين من أكتوبر عام 1911 كان ناكاجيما أول شخص ياباني أقدم على تجربة الطيران بالمنطاد، تلك التجربة التي تمت ترقيته بعدها إلى رتبة النقيب، وفي عام 1912 أنهى دراسته في كلية الأركان، وقامت الحكومة اليابانية بإرساله إلى الولايات المتحدة لمزيد من الدراسة والحصول على رخصة طيار، ليكون ثالث شخص ياباني يحصل على هذه الرخصة، وعند عودته قام بتصميم نسخة محسنة من الطائرات المصممة لتطفو على الماء، والتي كانت يستخدمها الجيش الياباني بشكل أساسي، وفي عام 1916 تم إرساله كملحق عسكري في أوروبا، لكنه بعد عام واحد عاد إلى اليابان واستقال من الجيش؛ ليبدأ عمله الخاص..
لم يكن هذا العمل الخاص سوى شركة صناعة الطائرات، التي استطاع ناكاجيما عام 1919 الحصول لها على عقد توريد عشرين طائرة إلى الجيش الياباني، كما رُشح للعمل في العديد من المناصب العامة، إلا أن ذروة عمله السياسي كانت في عام 1930، عندما انتُخب نائبًا في البرلمان الياباني، وفي يونيو 1937 اُختير كوزير للسكك الحديدية، كما حصل عام 1939 على وسام رفيع اسمه "الكنز المقدس"..
على الرغم من انتقاد ناكاجيما لقرار اليابان بدخول الحرب العالمية الثانية، وتحذيره للحكومة من مغبة ذلك القرار المتسرع، وتركه للعمل الحكومي في يناير من نفس العام، إلا أنه لم يتخلَ عن الواجب الوطني، فأصبحت شركته هي المورد الرئيسي للطائرات المقاتلة التي يستخدمها الجيش الياباني في حربه ضد الحلفاء، وتغير اسمها إلى "فوجي سانجيون Fuji Sangyou"، وكان من الطبيعي أن يكون ضمن المقبوض عليهم من أفراد الحكومات اليابانية السابقة والمتعاونين معها عقب هزيمة اليابان في الحرب، لكنه أُطلق سراحه في عام 1947، ليحيا عامين قبل أن توافيه المنية في العاشر من أكتوبر عام 1949 على أثر نزيف في المخ.
حياة جديدة
قامت الحكومة في عام 1950 -في إطار عملية إعادة الهيكلة الاقتصادية للبلاد- بحل الشركة، غير إنه في الخامس عشر من يوليو عام 1953 كانت الشركة على موعد جديد مع الحياة، حيث قامت خمس شركات يابانية بالاندماج، مكونةً عملاقًا يابانيًا جديدًا في مجال النقل، وهي: "فوجي كوجيو Fuji Kogyo"، "فوجي جيدوشا كوجيو Fuji Jidosha Kogyo"، "أوميا فوجي كوجيو Omiya Fuji Kogyo"، "أوتسونوميا شاريو Utsunomiya Sharyo"، وبالطبع " فوجي سانجيو Fuji Sangyo".. أصبح هذا التجمع من أكبر مصنعي وسائل النقل في اليابان، ويعمل تحت اسم واحد هو "فوجي للصناعات الثقيلة المحدودة Fuji Heavy industries ltd"، وهي الشركة المالكة للعلامة التجارية سوبارو حتى اليوم.
السيارات تنطلق
في عام 1954 ظهر أول إنتاج الشركة من السيارات، وكان عبارة عن سيارة ذات محرك رباعي الأسطوانات، سعته اللترية 1.5 لتر، وينتج قوة قدرها 55 حصانًا، وأُطلق عليها اسم "بي وان P1"، وهو الاسم الذي ما زالت تطلقه الشركة حتى الآن على كل طرازاتها الاختبارية، ثم أعقبها في عام 1958 الطراز الذي أصبح الأكثر شعبية في اليابان، وهو طراز "360 360"، الذي كان عبارة عن سيارة صغيرة ذات بابين، كما ظهرت منه لاحقًا نسخ من نوع الكوبيه، أما الطراز "آر – تو R-2"، وهو طراز آخر من نوع السيارات الصغيرة ذات البابين، فقد ظهر عام 1969، وتحديدًا في الثامن من فبراير، وعقب الإعلان عن هذا الطراز حصلت الشركة في شهر واحد على خمسة وعشرين ألف طلب للشراء في اليابان.
مع بداية السبعينيات، وتحديدًا في السابع من شهر أكتوبر عام 1971، انطلق طراز "ليون Leone" في نموذج جديد من نوع السيارات الكوبيه متوسطة الحجم ذات البابين والسقف الثابت، وكان ذلك الطراز يسير بالجر الأمامي، ويحمل خيارين من المحركات، أحدهما سعة 1.4 لتر والآخر سعة 1.6 لتر، مع ناقل حركة يدوي ذي خمس سرعات، وخيار آخر من ناقل حركة أوتوماتيكي ذي ثلاث سرعات.. وفي سبتمبر من عام 1972 تم إطلاق نموذج آخر لسيارة من هذا الطراز، غير أنها كانت من نوع الستيشن واجن هذه المرة، كما إنها كانت تسير بالدفع الرباعي..
في عام 1985 ظهرت سيارة "سوبارو إكس تي Subaru XT"، وهي أول نماذج الشركة من نوع السيارات الرياضية، والتي كانت تحمل خيارين من المحركات، أحدهما محرك سعة 1.8 لتر، والآخر سعة 2.7 لتر، مع ناقل سرعات يدوي ذي خمس سرعات أو أوتوماتيكي ذي أربع سرعات..
أما في مجال السيارات الصالون متوسطة الحجم، فلقد قدمت الشركة عام 1989 سيارتها "ليجاسي Legacy"، التي بدأ إنتاجها مع خيارين من المحركات، الأول سعته اللترية 1.6 لتر والآخر سعته لتران، ولقد طُرحت في الأسواق في ستة أجيال منذ إنتاجها وحتى الآن، وتلى ذلك إنتاجها لسيارتها الأشهر عالميًا، وهي السيارة "امبريزا Impreza"، التي بدأ إنتاجها عام 1992، وتتواصل عليها عمليات التطوير في أربعة أجيال متتالية.
شراكة وتوسع
في عام 1968، وخلال فترة الدمج التي أمرت بها الحكومة صناعة السيارات اليابانية، من أجل تحسين القدرة التنافسية في ظل إدارة رئيس الوزراء ايساكو ساتو، استحوذت شركة نيسان على حصة قدرها 20.4 % من أصول شركة سوبارو، وظلت تمتلك تلك النسبة حتى عام 1999 عندما اندمجت مع شركة رينو، فقامت ببيع تلك الحصة لشركة جنرال موتورز الأمريكية، غير أن ذلك لم يكن مدخل شركة سوبارو للولايات المتحدة، فقد كانت موجودة هناك قبل ذلك التاريخ بعشر سنوات، حيث قامت في عام 1989 بافتتاح مصنع مشترك مع شركة إيسوزو في لافاييت بولاية إنديانا.
سوبارو حديثًا
توسعت الآن سوبارو بشكل كبير، وأصبحت تمتلك شركاء في العديد من دول العالم غير الولايات المتحدة الأمريكية، مثل كندا، الفلبين، أستراليا، والمملكة المتحدة، كما أنها تتمتع بشبكة وكلاء تغطي الكرة الأرضية بالكامل تقريبًا، وكما تمتاز كل شركة كبرى من شركات صناعة السيارات بإحدى الميزات الخاصة، يمكننا أن نعتبر أن ما يميز سوبارو هو استخدامها للدفع الرباعي في سيارات الركوب الصغيرة والمتوسطة، كما أنها تعتبر من أكثر السيارات أمانًا وصلابةً.