في الحلقة الماضية عرفنا سويًا كيف نشأت أفتوفاز –أو لادا كما يعرفها الجميع خارج موطنها- كثمرة لتعاون ضخم بين كل من إيطاليا والاتحاد السوفيتي، وجاءت النتائج لتفوق كل التوقعات بعد إنتاج السيارة الأولى المستوحاة من فيات 124، حيث بيعت ملايين السيارات داخل موطنها ثم حول العالم في السنوات اللاحقة، وكخطوة جديدة تشعرها بمزيد من الاستقلالية قانت الشركة بإزاحة الستار عن أول سيارة من تصميمها وليست مستوحاة من فيات وهي "نيفا" رباعية الدفع عام 1977، وهكذا بدا كل شيء واعدًا بمستقبل مشرق، إلا أن السنوات التالية كان لها رأي آخر!
ما بعد الاتحاد السوفيتي
في عام 1975 ورغم مرور خمس سنوات فقط على تأسيس الشركة، احتل مصنع أفتوفاز احتل المركز الثالث على مستوى العالم من ناحية الإنتاج، وسارت الأمور على خير ما يرام في السنوات اللاحقة حتى نهاية الثمانينيات عندما بدأت أوضاع الاستثمار تتداعى، ثم انهار الاتحاد السوفيتي بأكمله وجرت مفاوضات جديدة تمهيدًا لخصخصة الشركة، وفي عام 1993 أُعيد تأسيسها من جديد تحت القانون الروسي وإدراجها في بورصة موسكو، وقد انقسمت إدارتها بين مجموعتين امتلكتا غالبية أسهمها؛ إحداهما تحت قيادة رئيسها من البداية"فلاديمير كادانيكوف" والأخرى في يد شركة تُدعى AFC، وفي هذه الفترة لم يكن الوضع المالي لأفتوفاز أفضل حالاً من الشركات المحيطة بها، فلم يحصل العمال على أجورهم لشهور طويلة، كما تراكمت ديون هائلة على الشركة نتيجة لانتشار الفساد في شبكات التوزيع خلال تلك الفترة.
فريسة العصابات
استمر الحظ السيئ ملازمًا لأفتوفاز خلال فترة التسعينيات، فنتيجة لعلاقة بعض أعضاء الإدارة الجديدة بأشخاص منتمين لتنظيمات إجرامية، قامت هذه التنظيمات بوضع يدها على الشركة لتتحكم في مبيعات سياراتها وقطع الغيار وشبكات التوزيع، كما تم استخدام العصابات للتحكم في العمال وإشعال الاحتجاجات، وقبل انتهاء عام 1996 بلغت ضرائب الشركة غير المدفوعة أكثر من 900 مليون دينار لتتحول إلى أكبر مدين للدولة، وفي العام التالي قامت وزارة الداخلية بفتح تحقيق واسع ليتم الكشف عن أدلة أثبتت تورط عصابات إجرامية في عشرات من عمليات اغتيال لمديري الشركة ووكلاء تابعين لها وكذلك منافسين في السوق.
نهوض متعثر
رغم وقوع روسيا في أزمة اقتصادية كبيرة عام 1998، فإن هذا الوضع كان في مصلحة الشركة بعد أن أصبحت أسعار سياراتها بعيدًا عن متناول مواطنيها داخل روسيا، فكان التوجه إلى التصدير للأسواق في الخارج، ورغم محاولات النهوض بالإنتاج فإن عام 1999 شهد نحو 50 ألف سيارة تم تصنيعها بأجزاء ناقصة، ولكن الشركة استمرت بخطواتها المتعثرة في محاولة الوقوف مرة أخرى.
بحلول عام 2001 تأسست شراكة مع جنرال موتورز وتم إطلاق الطراز "شيفروليه نيفا" المستوحى من لادا نيفا، أما داخل السوق الروسية فبعد أن تحسنت الأوضاع الاقتصادية زادت المنافسة من شركات سيارات أجنبية وهو ما جعل حصة أفتوفاز تتراجع داخل السوق، ولكنها واصلت تقديم طرازات جديدة لتنافس بضراوة على أرضها.
تحت مظلة رينو
حافظت المحاربة الروسية على بقائها حتى عام 2008، وفي شهر مارس قامت رينو بشراء 25% من أسهمها بعد أن أصبحت السوق الروسية مزدهرة في هذه الفترة، إلا أن هذا الازدهار لم يدم طويلاً بعد أن تعرضت البلاد لركود اقتصادي ساق أفتوفاز إلى حافة الإفلاس عام 2009، لولا أن حصلت على مبلغ تجاوزت قيمته 225 مليون دينار من الحكومة الروسية التي وضعت برنامجًا لمواجهة الأزمة الاقتصادية في البلاد، وفي العام التالي تضاعفت مبيعات الشركة وعادت لتحقيق الأرباح من جديد بعد سنوات وإطلاق طرازات جديدة لها، وحين بدت الأوضاع أكثر تفاؤلاً قامت رينو بزيادة حصتها في أسهم الشركة الروسية في عام 2012 لتصبح 51%، إلى جانب مساعيها للتحكم من خلال طرق غير مباشرة.
---
رغم هذه الأزمات الطاحنة التي مرت بها أفتوفاز فإنها تحدت كل شيء وحافظت على بقائها، وكأن جبال الجليد المغروزة في بلادها قد أكسبتها صلابة وثقة تتمتع بهما وحدها دون سائر المنافسين، لتجتاح سياراتها القوية مشارق الأرض ومغاربها بلا عقبات قد تقلقها بعد الآن.