"تقاس حياة المرء بإنجازاته وليس بعدد سنوات عمره".. بهذه الكلمات كان بروس ماكلارين يرثي صديقه ورفيقه تيمي ماير الذي لقي حتفه عام 1964 في حادث سيارة، أثناء تدريبه على المرحلة الأخيرة من أحد السباقات التي كان مشاركًا بها وهو في عمر السادسة والعشرين.. لم يكن بروس يعلم وهو يقول هذه الكلمات أنه سيلقى المصير نفسه بعد بضع سنوات، وتتحول كلماته إلى دستور سار عليه فريق سباق السيارات الذي أسسه، لتولد الانتصارات من وسط الحزن ويصبح اسم ماكلاين في المقدمة بلا تراجع، ثم ينتقل من مجده في مضامير السباقات إلى الشوارع أيضًا، ولكن لنبدأ سويًا الحكاية من أولها..
انتصارات ومآسٍ!
بدأ النيوزلندي بروس ماكلارين مسيرته في عالم السباقات منذ أن كان عمره 14 عامًا، وبعد عدة سباقات انضم إلى فريق من فرق فورميولا 1 يُدعى كوبر، لكن في أحد السباقات اختلف بروس مع مالك الفريق في نوعية المحركات المستخدمة في السيارات المتسابقة، فقرر أن يؤسس فريقه الخاص ليديره بنفسه عام 1963، وفي العام التالي مباشرةً كان يحقق فوزًا في سلسلة سباق تجرى في جزيرة تاسامانيا الأسترالية، إلا أن صديقه تيمي قد فقد حياته كما ذكرنا في البداية أثناء التدريب على السباق الأخير، وتولى شقيقه الأكبر تيدي ماير إدارة الفريق مع بروس، وفي نفس العام تم تصنيع أول سيارة سباق لماكلارين تحمل اسم M1A وأُنتجت منها 24 نسخة، وتبعتها طرازات أخرى للسباقات..
حقق الفريق أول انتصار له في سباق Grand Prix عام 1968، وتبعته عدة انتصارات قوية في سباقات أخرى، إلا أن الحزن أبى أن يترك الفريق؛ ففي منتصف عام 1970 كان بروس يقوم باختبار إحدى سياراته الجديدة داخل مضمار سباق جودوود في إنجلترا، فانحرفت السيارة بشدة وخرجت عن المضمار لتصطدم بخزان عملاق ويلقى بروس حتفه وعمره 32 عامًا..
أصبح تيدي ماير هو المسؤول عن الفريق بعد وفاة شقيقه وصديقه، وبعد سنوات قليلة نجح في قيادة الفريق إلى سباقات فورميولا 1 لأول مرة والفوز فيها عام 1974، لتكون هنا البداية الحقيقية للفريق، وفي العام نفسه حصل على رعاية شركات كبيرة مثل: فيليب موريس ومارلبورو لسنوات طويلة.
تحول جديد
في عام 1980 انضمت الشركة إلى فريق سباقات Project 4 Racing الذي يمتلكه رجل الأعمال الإنجليزي رون دينيس، وبعد فترة وجيزة اشترى رون حصص المساهمين في شركة ماكلارين ليصبح مسؤولاً بشكل كامل عن الفريق، وفي العام التالي مباشرةً أبدى المصمم جون بيرنارد اهتمامًا باستخدام مادة ألياف الكربون في تصنيع هيكل سيارة -فقد كان استخدام هذه المادة مألوفًا في تطبيقات الفضاء فقط- لتأتي ماكلارين بحدث غير مسبوق في سباقات فورميولا 1 بسيارتها MP4/1 التي قدمت مستوى جديدًا من الصلابة والقوة مع توفير السلامة للسائق.. وتواصلت انتصارات ماكلارين في عالم السباقات ليصبح فريقها ثاني أقدم فريق سباق مستمر إلى يومنا هذا بعد فريق فيراري.
خارج المضمار
رغم أن ماكلارين قد صنعت إنجازاتها في عالم السباقات بالتدريج، فإن هذه السنوات قد منحتها الخبرة الذهبية التي تضعها مباشرةً على القمة خارج المضمار، وهذا بالفعل ما حدث عندما تعاون رون -مدير الفريق- مع المصمم جوردون موراي ليتم الكشف عن الأيقونة الذهبية F1 عام 1992 التي لم يكن لها مثيل من قبل، فقد كانت أول سيارة يتم إنتاجها بهيكل مصنوع من ألياف الكربون، وتمتعت مقصورتها بتصميم فريد جاء فيه مقعد السائق في المنتصف وخلفه مقعدان آخران على الجانبين، ورغم كونها مخصصة للسير في الشوارع إلا أن تصميمها يحمل روح سباق الفورميولا 1، فاجتازت عدة سباقات ببراعة منقطعة النظير لتحمل لقب السيارة الأسرع في العالم لعدة سنوات، قبل أن تقتنص منها بوجاتي فيرون هذا اللقب في 2005.
---
في عام 2010 تم فصل شركة تصنيع السيارات عن فريق السباق، وُوضعت لها استراتيجية لإنتاج سلسلة من الطرازات في جدول زمني محدد.. ولم تتباطأ ماكلارين لحظة في مسيرتها نحو القمة رغم الأحداث التي مرت بها في البداية، ولكنها استمرت على خطى مؤسسها الذي دفع حياته ثمنًا لتجربة واحدة من سياراته.
السيارة M1A
السيارة MP4/1