كان القرن العشرين في سنواته الأولى، عندما مر هذا الشتاء الحزين على تلك العائلة الهندية، زوجة مكلومة وتسعة أطفال في بيت متواضع هجره الأب للدار الآخرة قبل أن يخرج طفله الأخير إلى الدنيا، لتصير الحياة أمامهم بلا معين، والبيت بلا معيل، ولتتوجه النظرات جميعها إلى الأخ الأكبر، ذلك الصبي الصغير، نحيف الجسم قصير القامة، صاحب الوجه الجاد، حاد القسمات، ليتحمل المسؤولية، وقد كان إصراره على تعليم إخوته تعليمًا جيدًا هو أبرز ما في قيادته للأسرة من حكمة.. إن هذا اليتيم، وأخاه الذي يليه في ترتيب الإخوة، لم تكن ظروف حياتهما الصعبة لتنبئ بما حققاه من نجاح.. إنهما الأخوان ماهيندرا.
الأخ الأكبر
ولد "جاجديش تشاندرا ماهيندرا Jagdish Chandra Mahindra"، والملقب بـ"جيه سي ماهيندرا J C Mahindra"، في عام 1892، في مقاطعة "لوديانا Ludhiana" بإقليم البنجاب الهندي، وبعد إتمام دراسته للهندسة في "معهد فيرماتا جيجاباي للتكنولوجيا Veermata Jijabai Technological Institute" في مومباي، بدأ حياته العملية كمهندس في شركة تاتا للصلب، ومع ظهور تفوقه تدرج في المناصب داخل الشركة ليصل إلى كبير مديري المبيعات فيها خلال الفترة من عام 1929 إلى عام 1940، قبل أن تختاره الحكومة الهندية ليكون المراقب المالي على إنتاج الصلب في عموم البلاد خلال فترة الحرب العالمية الثانية.. وبعد انتهاء الحرب بدا واضحًا أن استقلال الهند أصبح في حكم المؤكد، ورأى جاجديش ضرورة أن يلبي دعوة الحكومة الهندية لرجال الأعمال لدعم الاقتصاد الصناعي لبناء الهند، بإنشاء شركة ماهيندرا ماهيندرا بالشراكة مع أخيه كايلاش وصديقه مالك غلام محمد، غير إنه في عام 1951 توفي على أثر أزمة قلبية حادة.
الأخ الأصغر
كان "كايلاش تشاندرا ماهيندرا Kailash Chandra Mahindra"، والملقب بـ"كيه سي ماهيندرا K C Mahindra" هو الابن الثاني للعائلة الكبيرة، ولد عام 1894بنفس المقاطعة ونفس الإقليم اللذين ولد فيهما أخاه، وكان له الأخ والصديق المقرب.. درس في الكلية الحكومية في لاهور ثم في جامعة كيمبريدج، وتخرج مع مرتبة الشرف، وعقب تخرجه عمل في "شركة السادة مارتين Messrs. Martin&Company"، كرئيس تحرير لمجلة الهند التي كانت تصدر وقتها شهريًا، وفي عام 1942 اختارته الحكومة ليكون رئيس بعثة المشتريات الهندية في الولايات المتحدة الأمريكية، ليعود ويتولى منصبًا هامًا عام 1945، حيث عُين كرئيس للجنة حقول الفحم الهندي الحكومية، ليحقق نجاحًا باهرًا في عمله باللجنة ويخط سياسات صناعة الفحم الإستراتيجية في الهند، كما قام بتطبيق أحدث أساليب تعدين الفحم في الهند، وبعد ذلك وخلال ثلاثة عشر عامًا كان خلالها رئيس مجلس إدارة شركة ماهيندرا ماهيندرا، تولى مسؤوليات كبيرة في نفس الوقت، مثل رئيس بنك الاحتياطي الهندي، رئيس شركة الطيران الهندية، ورئيس شركة هيندوستان للصلب، وتوفي في عام 1963.
تأسيس الشركة
في البداية تم إنشاؤها وتسجيلها عام 1945 كشركة للصلب. الشركاء الثلاثة، الأخوان ماهيندرا ومعهما الصديق مالك غلام محمد يشكلون مجلسًا لإدارتها، وتوجههم ناحية إنتاج السيارات يصبح واضحًا منذ اللحظة الأولى، ولكن عقب استقلال الهند وانفصال باكستان، يهاجر الصديق إليها تاركًا الأخوين على رأس شركة ماهيندرا أند ماهيندرا، التي بدأت أول إنتاجها عام 1947 بطراز من سيارات الدفع الرباعي بترخيص من شركة "ويلز Willys" الأمريكية، ولتتخصص في إنتاج هذا النوع من الطرازات على مدار سبعة عقود متتالية، ولكنها ظلت تعتمد على تصميمات آخرين، حتى نهاية القرن العشرين.
العقرب
كل الناس كانوا يرون أنه من المستحيل أن تبدأ في صناعة سيارة متكاملة من الصفر، دون الاعتماد على تصميمات ابتكرتها شركات أخرى، وأن تنجز هذا العمل في أقل من خمس سنوات، وكانوا يرون أن القرار في حد ذاته هو ضرب من الجنون، غير إن ماهيندرا كانت قادرة أن تفعلها، فعن طريق تسعة عشر فريقًا يعمل بها مائة وعشرون شخصًا، وخمسة وسبعين من نماذج التصميمات الهندية الخالصة، التي تمت جميعها في الهند أو في مركز التصميمات التابع للشركة في المملكة المتحدة، قدمت الشركة تحفتها الخاصة "العقرب Scorpio" التي تمت صناعة محركاتها ذوات الـ109 أحصنة في ألمانيا والنمسا، ومقاعدها في إيطاليا، ولوحات قيادتها في السويد، وجسمها الخارجي صنع في كوريا، لكن جميعها بتصميمات هندية مائة في المائة.
طرازات ماهيندرا
بالطبع كانت الطرازات بعد العقرب تتجه إلى نفس فكرة إنتاج سيارات الدفع الرباعي، مثل الطراز "بوليرو Bolero"، الذي يحمل محركًا سعته 2.5 لتر، الطراز "تي يو في 300 TUV300"، وهو طراز ذي سبعة مقاعد، ويحمل محركًا تربو سعة 2.0 لتر، والطراز "ثار Thar" المزود بمحرك سعته 2.5 لتر، غير إن التفكير في هذه النوعية من الطرازات لم يمنع الشركة من الاهتمام بصناعة نوعيات أخرى من السيارات، مثل السيارة الصالون الصغيرة "فيريتو Verito"، ونستطيع أن نقول إنها المنتج الهندي من السيارة الفرنسية "رينو لوجان"؛ حيث إنها تحمل نفس التصميم ولكن بتعديلات هندية، وهي تحمل محركًا ذا أربع أسطوانات وسعة لترية قدرها 1.5 لتر..
أما في مجال السيارات متعددة الاستخدامات، فشركة ماهيندرا تقدم السيارة "إكس يو في 500 XUV 500"، وهي ذات محرك تربو سعته اللترية 2.2 لتر، وينتج قوة قدرها 140 حصانًا، كما تقدم أيضًا السيارة "ريكستون Rexton" التي تحمل تحت غطائها محركًا سعة 2.7 لتر، قادر على إنتاج قوة تصل إلى 184 حصانًا، كما لم تنسَ ماهيندرا أثرياء العالم، فأنتجت طرازها الخاص من السيارات الفارهة، وهي السيارة "شيرمان دبليو Chairman W"، واسمها ببساطة يعبر عنها حيث يعني "الرئيس"، في إشارة واضحة إلى العملاء المتوقعين لها، فهي سيارة فاخرة تأتي مع محرك سعته خمسة لترات، وينتج قوة قدرها 305 أحصنة، كما تتحلى بكل وسائل الراحة والفخامة داخل مقصورتها الرحبة.
البيئة النظيفة
كان على شركة ماهيندرا أن تفكر في إنتاج سيارة تحقق تواكبًا مع الإتجاه العالمي الجديد في صناعة السيارات والذي يقوم على فكرة إنبعاثات ضارة أقل، وهو ما يتحقق بالطبع من خلال السيارات الكهربائية، ولذلك كانت قرارها بالبدأ في إنتاج سيارة كهربائية صغيرة تحت إسم "إي تو أوه e2o"، وهي سيارة ذات بابان وتتسع لأربعة أفراد بالغين، ونعمل بمحرك كهربي وبطارية أبون ليثيوم بقوة 48 فولت، وهي تعتبر بداية فقط للعديد من الطرازات المستقبلية ذات الطاقة النظيفة التي تنوي الشركة طرحها في الأسواق.
ماهيندرا أخرى
لا تنحصر السيارات التي تحمل شعار ماهيندرا على تلك المخصصة للركوب فقط، فالشركة أيضًا تقوم بإنتاج طرازات السيارات المتخصصة -كالشاحنات مثلاً- فمنها نجد شاحنات النقل الخفيف، مثل: "جينيو Genio" و"جيتو Jeeto"، وأيضًا الطرازات المتعددة المخصصة لأعمال التشييد تحت اسم "تورو Torro"، وتلك المخصصة لنقل البضائع والتي تأتي تحت اسم "تروكس Truxo"، هذا بالإضافة إلى نوعين من طرازات الحافلات هما "تورستر سي آر دي إي Tourister CRDe"، و"تورستر كوزمو Tourister Cosmo" المخصص كحافلة مدارس.
-------
كان من الصعب على أي من الناس الذين شاهدوا حال عائلة ماهيندرا عند وفاة الأب في أوائل القرن العشرين، أن يتوقعوا أن يصبح اسم هذه العائلة المتواضعة ملء السمع والبصر إلى هذا الحد، ولا كان يمكن لأكثر الناس خيالاً أن يفكر في أن يصبح هذان اليتيمان من أهم رجال صناعة السيارات في العالم، غير إن رؤية الأخ الأكبر لأهمية العلم ودفعه إخوته ونفسه للاهتمام به، كانا هما المفتاح لعالم النجاح الذي حققته ماهيندرا العائلة وماهيندرا الشركة.