كان الكيميائي الذي يعمل في مكتب التحقيقات الفيدرالية دكتور ستانلي جودسبيد، يطارد السجين ذا الستين عامًا جون ماسون، والذي تم إخراجه من السجن لمساعدة مكتب الإف بي آي في حل مشكلة أمنية كبيرة، إلا أنه ذهب يعدو خارجًا من الفندق الفخم الذي كان قد طلب الإقامة فيه، بعد أن باغت الحراس بموقف مربك، وانطلق يبحث عن وسيلة هروب، حتى وجد ضالته في تلك السيارة السوداء القوية من نوع "هامر"، ليبدأ فراره بها في شوارع المدينة، متخطيًا أزقة، ومصطدمًا بسيارات، وقافزًا فوق أرصفة ومنحدرات، وحتى محطمًا أعمدة إنارة.. تغلبت السيارة القوية على مطارديها من سيارات الشرطة والعملاء الفيدراليين، وحتى على سيارة دكتور ستانلي الفيراري الصفراء، وعلى الرغم من إن ما حدث لم يكن حقيقيًا تمامًا، حيث إنه كان مشهدًا حماسيًا من فيلم "الصخرة"، الذي تم إنتاجه عام 1996 من بطولة الممثلين العالميين "شين كونري" و"نيكولاس كيدج"، والذي حقق نجاحًا كبيرًا داخل الولايات المتحدة وخارجها، إلا أن ما فعلته هامر في هذا المشهد لم يتجاوز الحقيقة كثيرًا.. اليوم سنتحدث عن تلك السيارة التي اشتهرت بقوتها وشراستها وكفاءتها في الأداء، وسنعرف متى وكيف ظهرت، ومتى ولماذا اختفت..
الأم هامفي
على الرغم من أن أولى النسخ التجارية من السيارة هامر ظهرت في الأسواق الأمريكية عام 1992، إلا أننا يمكننا أن نعتبر أن تاريخها يرجع إلى ما قبل ذلك بأكثر من عقد من الزمان؛ فهي في الحقيقة تعتبر النسخة المدنية من السيارة "هامفي"، التي أنتجتها شركة تصنيع السيارات العسكرية "أيه إم جنرال AM General" خصيصًا عام 1979 لتسود كل قطاعات الجيش الأمريكي، وتصبح السيارة العسكرية الأساسية للقوات الأمريكية، وقامت الشركة بتطوير إنتاجها من السيارة هامفي ابتداءً من شهر إبريل عام 1982، بعد فوزها في العام الذي سبقه بعقد توريد خمسة وخمسين ألف سيارة من هذا الطراز إلى الجيش الأمريكي.. وفي عام 1985، ونظرًا للسمعة الجيدة التي حظيت بها هامفي، بدأت الشركة في التفكير في تصنيع نسخة منها مخصصة للاستخدامات المدنية، وهو ما تطلب منها إجراء بعض التعديلات، مثل إضافة مكيف هواء والتعديل في المقصورة الداخلية والطلاء، مع المحافظة على الشكل العام للتصميم، والقوة بالنسبة للمحرك وأدوات التعليق، ولقد كان الممثل العالمي "آرنولد شوارزنيجر" من أكثر المشجعين للمشروع، خاصةً حينما شاهد قافلة من سيارات هامفي أثناء تصويره أحد أفلامه، فأبهرته بقوتها وكفاءة أدائها.
هامر تصبح حقيقة
في عام 1992 ظهرت أولى النسخ المدنية التجارية من إنتاج شركة أيه إم جنرال في الأسواق الأمريكية من طراز السيارة "هامفي إم 998 M998 Humvee" تحت الاسم التجاري هامر، وفي عام 1999 قررت الشركة بيع اسم هذه العلامة التجارية إلى شركة جنرال موتورز، والتي كانت مسؤولة عن عمليات البيع والتوزيع لهذا الطراز المدني، مع استمرار عمليات الإنتاج تتم داخل مصانع شركة أيه إم جنرال، ومع عمليات التطوير بدأت الشركة في إنتاج طرازين أقصر من الطراز الأصلي، سُمي الأول "H2" والآخر "H3"، أما الطراز الأصلي فلقد أُطلق عليه اسم "H1"..
وفي عام 2006 بدأت هامر في التحول لتصبح سيارة عالمية؛ حيث تم تصديرها إلى ما يقرب من ثلاث وثلاثين دولة حول العالم، وفي أكتوبر عام 2006 بدأ خط إنتاج لسيارات هامر في مصانعها في "بورت إليزابيث" بجنوب أفريقيا، كما قامت الشركة منذ عام 2006 وحتى العام 2009 بإنتاج الطراز H2 في مصانع شركة "أفتوتور Avtotor" بمدينة كاليننجراد في روسيا.
طرازات هامر
يعتبر الطراز "H1" هو الطراز الأصلي للسيارة هامر، والذي جاء في نوعين أساسيين، الأول ذو بابين والآخر ذو أربعة أبواب، وهو بالمجمل يعتبر ذا جسد طويل نسبيًا، هذا بالإضافة بالطبع إلى عرض الجسد الزائد الذي يميز كل طرازات هامر.. أما فيما يخص المحرك، فالطراز H1 يأتي مع ثلاثة اختيارات من سعة المحرك، الأقل هو محرك تربو سعة 5.6 لتر، أما الاختيار الأعلى فهو محرك تربو سعة 6.2 لتر، بينما المحرك الأكبر تربو أيضًا سعة 6.5 لتر، وتأتي تلك المحركات مع ثلاثة اختيارات من أنواع ناقل الحركة ذوات الأربع والخمس والست سرعات..
الطراز الثاني من هامر هو الأكثر إنتاجًا والأكثر شعبية، حيث تم طرحه في الأسواق الأمريكية والعالمية على حد سواء بأسعار أقل من طرازها السابق، لتحقق نسب مبيعات عالية، خاصةً بعد تصنيع هذا الطراز في روسيا وجنوب أفريقيا، ولقد أطلقته الشركة كنموذج اختباري عام 2002، وبعد أن حاز إعجاب الزائرين في عدة معارض دولية، سارعت إلى إنتاجه لتظهر النسخة التجارية الأولى منه عام 2003.. يحمل هذا الطراز خيارين من المحركات، الأول هو محرك ثماني الأسطوانات، سعته 6 لترات، وقادر على إنتاج طاقة قدرها 325 حصانًا، أما الاختيار الثاني فهو محرك سعته 6.2 لتر وقادر على إنتاج طاقة قدرها 393 حصانًا، والمحركان يعملان مع ناقل حركة أوتوماتيكي ذي أربع سرعات..
أما الطراز الثالث من هامر، وهو الأصغر حجمًا والأحدث إنتاجًا بين كل طرازاتها، فهو الطراز H3، والذي يعتبر سيارة دفع رباعي رياضية من الحجم المتوسط تتسع لخمسة أفراد، تم إنتاج النسخة الأولى منه عام 2005، ولقد قامت الشركة بإضافة العديد من التعديلات على هذا الطراز، حيث أضافت كسوة داخلية لأقواس إطاراتها العريضة قياس 16 بوصة، وهذه الكسوة يبلغ عرضها 32 بوصة، وفي المقدمة وضعت سبع فتحات على الواجهة الأمامية؛ لتسمح بمرور الهواء للمحرك، كما أضافت أضواء دائرية للضباب تحت المصابيح الأمامية العادية، هذا بالإضافة إلى تركيب درع معدني أسفل السيارة؛ لحمايتها من الاصطدام أثناء السير على الطرق الوعرة، وأيضًا لحماية خزان الوقود في الأسفل.. وتأتي النسخة القياسية من هذا الطراز مع محرك ذي خمس أسطوانات سعته 3.7 لتر، وينتج قوة قدرها 242 حصانًا، كما تقدم الشركة مع هذا الطراز خيارًا آخر للمحرك أكثر قوة بكثير، حيث يمكنها بناءً على طلب العميل تزويد السيارة بمحرك ذي ثماني أسطوانات، سعته 5.7 لتر، وقادر على توليد طاقة قدرها 320 حصانًا.
النهاية
في الثالث من يونيو عام 2008، وقبل يوم واحد من اجتماع المساهمين السنوي في شركة جنرال موتورز، صرح "ريك واجنر Rick Wagoner"، الرئيس التنفيذي للشركة، على أثر انخفاض المبيعات وارتفاع سعر الوقود، أن العلامة التجارية هامر أصبحت غير مجدية، وأنه لا بد من التخلص منها بالبيع أو بإيقاف إنتاجها نهائيًا، وفور الإعلان عن هذا التصريح تقدمت شركتان هنديتان -إحداهما هي ماهيندرا آند ماهيندرا- لشراء العلامة التجارية، وظلت المناقشات حول البيع حتى يوم الاثنين الأول من يونيو عام 2009، حين أعلنت شركة جنرال موتورز إفلاسها رسميًا، وتضاربت الأقاويل حول مصير هامر، بين إيقاف إنتاجها، أو بيعها لمشتر لم يعلن عنه في حينها، حتى كشفت محطة سي إن إن الإخبارية عن أن المشتري المرتقب هو شركة صينية عامة اسمها "سيشوان تينجزونج للماكينات والصناعات الثقيلة Sichuan Tengzhong Heavy Industrial Machinery Company Ltd"، وفي الأول من فبراير عام 2010 تم الإعلان عن أن المباحثات حول البيع ما زالت مستمرة، وأن السعر المطروح يدور حول مائة وخمسين مليون دولار، غير إنه وفي يوم 24 من فبراير عام 2010 أعلنت جنرال موتورز عن انهيار صفقة البيع مع الشركة الصينية، وفي السابع من إبريل عام 2010 صدر القرار رسميًا بإيقاف العلامة التجارية هامر، وتقديم خصومات كبيرة للتخلص من 2200 سيارة متبقاة في مخازن الشركة جاهزة للبيع.
----------
مع هذا القرار أُسدل الستار على تلك السيارة التي كانت في وقت من الأوقات حلم هواة سيارات الدفع الرباعي الأوحد حول العالم، وهي السيارة التي قادها نجوم عالميون مثل أرنولد شوارزنيجر، ويل سميث، وفيفتي سينت، ليس أمام الكاميرا وفي الأفلام فحسب، ولكن في الواقع أيضًا.